أيُّها الرَّاشدون!

 

حمد بن سالم العلوي

أصدرت بلدية مسقط مُؤخرًا نصيحة بالحفاظ على الغيلان والثعابين، حفاظًا على التوازن البيئي كما يقولون، وبمناسبة هذا الإعلان تبرع أحدهم، وأخرج مقطع فيديو يوضح الكيفية التي توجب التعامل مع الثعابين- حتى وإن كان ذلك من وحي الخيال- فقام بتحميم الثعبان بالصابون والشامبو، ثم أخذه لواحدة من الحدائق العامة، فأنزله من خلال الزحلوقة الخاصة بالأطفال، ثم أخذه إلى المرجوحة ولفه عليها، وأخذ يمرجحه كما لو أنه طفل مدلل!!

وبالفعل وكما يقولون شر البلية ما يضحك، ثم تأتيك جهة أخرى، فتصور كبشًا منقولًا في سيارة بيكاب، وتعلق على الكبش بوجوب مراعاة نقل هذه الحيوانات في سيارات مظللة، فربما اليوم مظللة وغدًا مكيفة، وهناك موضوع آخر يتكلم عن مشروع للعناية بالكلاب الضالة.

الحقيقة المرة أقولها لكم، أن تربيتنا كانت على الخوف من الثعابين، وعَلِمنا أن من يلدغه ثعبان، يكون سعيد الحظ إن عاش حتى يصل إلى المستشفى، فإذا وجد مصلا لسموم الأفاعي، كان قد أمكن إنقاذه، وإلا فارق الحياة بسم الثعبان، وأن ثقافتنا في التعامل مع الثعابين والحيّات تقتضي بضربها على رأسها حتى نضمن قتلها، ومما تعلمنا أيضًا ألا نضرب الثعبان بالعصا، حتى لا يعلق بها ويأتي على القائم بقتله من الأعلى ويلدغه في رأسه، وفي الماضي كان يضرب بطلقة "صمعا"، وذلك بعد إخراج الرصاص منها، حتى لا يرتد الرصاص على الرامي، ويكفي البارود لحرق الثعبان وقتله، والشرع أجاز قتل كل مؤذٍ.

لقد علمنا أن نبي الله سليمان بن داود- عليهما السلام- أنه هو الوحيد من عُلّم منطق الحيوانات، فهل تقبّى لكم شيء من علمه، حتى يعلم أحدهم منطق "الكبش" لكي يشتكي إليهم انزعاجه من حرارة الشمس؟!

الحفاظ على الكلاب الضّالة أمر ليس فيه مصلحة للإنسان، وقد علمنا عن أذاها للإنسان.. وخاصة الأطفال، عندما تقتنصهم هذا الكلاب في الأحياء السكنية، وتفترسهم دون شفقة أو رحمة، ليس كما نفعل نحن البشر معها، ثم إنَّ هؤلاء الذين ينادون بالرفق بالكلاب، لمِ لا ينادون بالرفق بالإنسان، أليس الإنسان أولى من الحيوان، إلا إذا انقلبت الموازين رأسًا على عقب، فعندئذ علينا أن ننصاع طائعين لما يفرضه الغرب علينا، وأن أحدث طلباتهم؛ بل أوامرهم، أن نرعى حقوق المثليين.

إذن؛ قد لا نستغرب أن تأتي جهة ما وتمنع البسطات في سوق مطرح، وتمنع باعة المشاكيك من فعل ذلك، لأنه يتوافق مع المألوف الموروث، وقد أصبحوا فيما يبدو لا يفضلون الموروث والمألوف، ولكنه لا يتوافق مع عقلية الراشدين الذين يرون الحفاظ على سلامة الثعابين واجبًا، وخلاف ذلك يكون أمرًا مستنكرًا وقد لا يغتفر. ترى لماذا التحيز للثعابين وحدها بالرأفة، فهناك طائفة من الهوام المؤذية كالعقارب وأبوشبك وأبورول وغيرها الكثير، أم لأنَّ الثعبان أمضى من غيره فتكون لدغته والقبر؟!!

الساعون بطلب الرزق بجهدهم وعرق جبينهم، يكون مصيرهم منعهم من التطور والتقدم في أعمالهم، وأن في هذه القرارات الجديدة حزم وعزم، حتى وإن رآه غيرهم في حق المواطن البسيط أمرًا مُستهجنًا، رغم أنهم يسعون بالكد والجد على أولادهم وأهلهم رغم قساوة الظروف.

لا شك أن التنظيم المعقول سيظل محل ترحيب، ولا أحد يعترض عليه؛ بل ربما يكون فيه حماية لحقوق المواطن، وذلك من مزاحمة الوافدين، إذن؛ ألم يكن الأولى بكم يا بلدية مسقط إيجاد البديل، قبل التسرع في إصدار قرارات المنع، فالبسطات من الممكن تحويلها إلى أكشاك مكيفة، وتؤجر بأسعار رمزية على الأشخاص الذين ورثوا هذه المهنة، وأصبحت جزءًا من التراث وثقافة سوق مطرح، وأن تمنح رخص لباعة البسطات لحمايتهم.

أما باعة المشاكيك، فلا يُمنع من تنظيمهم بقصد التطوير، وعمل شاليهات لهم بجوار شاطئ البحر، أو في مناطق مختارة تقررها البلدية مع وزارة التراث والسياحة، وتزود بالثلاجات والمكيفات، وتؤجر بأجور رمزية كذلك، ويرخص للقائمين عليها؛ فالموروث لا يُلغى، وإنما يطور وينظم، والأولى رعاية المعقول وتنظيمه، ورفض الدخيل وغير المعقول، كالدعوة لرعاية الثعابين للحفاظ على التوازن البيئي، فلا نريد توازنًا يهدد حياتنا بالموت والأذى.