بين اللُب والقشرة فراغٌ مكنون

لينا الموسوي **

الفراغ كما نعلم هو الحيِّز غير المُمتلئ، أمَّا معماريًا فهو المكان الخالي من الأشياء، لكني أودُ أن أتكلم عن نوع آخر من الفراغات التي قد تؤثر على حياة الإنسان، ولا بُد أن كلًا منَّا قد مرَّ بها خلال مسيرة حياته، ولم يكن يُدرك ذلك، فنجده يتخبط أحيانًا فلا يعلم كيف يملأ هذه الفراغات، وأحيانًا أخرى يوفَّق فيعمل جاهدًا لتعبئتها بطريقة مُرضية.

إنها فراغات متنوعة تظهر داخل نفس الإنسان منها الفراغ العاطفي والفراغ الروحي والفراغ الفكري فإذا مر بأحدها نجدها تؤثر على شخصيته وأسلوب عمله وسلوك حياته وبالتالي تنعكس على تطوره وتقدم مجتمعه المحيط به.

وتعبئة المكان أو الفضاء المعماري أمر محسوس، ووظيفته واضحة، ويتم اختيار مكملاته بعناية؛ فنحاول كمصممين أن نملأه بما يليق به شكلًا ووظيفةً. أما هذه الفراغات العاطفية والروحية والفكرية فغالبًا ما تكون غير محسوسة أو مدركة، فنلاحظ بسبب تطور الحياة وضعف العلاقات الأسرية وسيطرة الحياة المادية بصورة واضحة ازداد الشعور بهذه الفراغات فنجد بعضهم يغتني فكره بالثقافة والعلوم ويفتقر قلبه وروحه للعاطفة فيشقى ساعيا باحثا عنها بمختلف الطرق أو الأساليب أو مستسلما لمرارة هذا الفراغ القاتل، وقد يكون هناك شخص آخر يفتقر فكره العلم والمعرفة منشغلا بمصاعب ومتطلبات الحياة وغير مدرك بأن بالعلم والمعرفة يتجاوز بهما أقوى المصاعب. أما الأخطر اجتماعيًا كما قرأت هو الفراغ الروحي الذي يجعل الإنسان مسلوب السعادة مسحوب الإرادة يتخبط في الحياة ساعيا باحثا عن ما يملأ روحه ليغذيها ويملأ فراغها لتسعد وينبض قلبه.

قد يكون الكلام عن هذه الفراغات سهلا ولكن عمليا إدراكه وإيجاد حلوله ليس بالأمر الهين خصوصا في الوقت الحالي وبعد التفكك الملحوظ بين الأسر بسبب الانشغال بالنواحي المادية وافتقارها إلى البناء والاحتضان الأسري السليم المعتدل فكريًا وروحيًا وعاطفيًا؛ حيث إن الاحتضان والدفء الأُسري السليم بين أفراد الأسرة بصدق يساعد وبقوة على تغذية الروح والعاطفة والفكر، وقد ينمو بالاتباع الحقيقي المعتدل الصحيح لمبادئ الدين الإسلامي، التي لو طُبِّقت بأبعادها الحقيقية- وليست الشكلية- لامتلأت كل الفراغات وسعدت النفوس. الله تعالى منح نفس الإنسان صفات جميلة قد تكون مثالية في بعض المجتمعات لما وصلت إليه من صراعات، ولكنها فعّالة، مثل الحب الصادق المليء بالمودة والرحمة. وهذا الحب- إن وُجِد- يعد من أقوى الأدوات التي تستعمل للتوجيه والإصلاح وتغذية كل فراغ موجود في دواخل الإنسان؛ لذلك على الإنسان أن يسعى جاهدًا لتنميته والحفاظ عليه؛ إذ بالحب تُطاع، وبالحب تُسمع، وبالحب تُربي وتنجح!

لكن مع الأسف الشديد بسبب صراعات الحياة والتي قد تكون أسبابها مادية أو اختلافات فكرية، ضعفت هذه الصفات الجميلة وفي المقابل زادت الصفات السلبية الأخرى في المجتمع لتنعكس آثارها عليه، مما أحدث المزيد من هذه الفراغات؛ حيث نجد بعض الأفراد باحثين متخبطين خارج الأُسر.

 ذلك علينا أن نبحث في أنفسنا ونُنمِّي في دواخلها الصفات الجميلة الرقيقة التي أنعم الله علينا بها، وفي المقدمة نعمة الحب الحقيقي الصادق الخالي من المصالح المادية؛ ليملأ القلب ويغذي الروح وينشِّطَ العقل بالعلم والفكر.

** مهندسة معمارية

تعليق عبر الفيس بوك