لنستمتع بالصيف

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

في كل صيف ومع كل موجة حارة، نلجأ إلى الخيارات التي وفرها لنا التطور الصناعي والتكنولوجي من أجهزة، ووسائل تبريد تخفف من وطأة الصيف إلى حد ما، ونتذكر كيف كان الأجداد يعيشون بإمكانيات محدودة،ويذوقون لهيب الشمس كل صيف بوسائل بسيطة وبدائية حسب المتوفر آنذاك.

فمن العادات الشائعة النوم على سطح المنازل ليلاً بعد أن يبلل أرضية السطح بالماء وفي الصباح كان يرش أرضيات المنزل بالماء لتخفيف الحرارة التي تنبت من الأرض. يذكر أن من عادة الأكاسرة والأمويين أن يضعوا الطين على السقف وأطباقاً من الصفصاف مع قطع الثلج حول البيت، والبعض كان يستخدم عشبة العاقول المبلول الذي يوضع بين لوحين من سعف النخيل أمام النوافذ كوسيلة تبريد أشبة بالمكيف.

في العصر الإسلامي كان الخيش المبلول بالماء أو بيوت الخيش أيضًا من طرق التبريد قديمًا لدى المقتدرين والأثرياء، حتى إنه قيل في وصف حرارة الصيف "لا يطيب معه عيش ولا ينفع معه ثلج ولا خيش". كما كان لفنون العمارة والهندسة دور في تبريد المنازل، فقد كان القدماء يعمدون إلى وضع النوافذ في مكان مرتفع لأن الهواء الساخن يرتفع للأعلى، ويخرج من فتحات النوافذ بدلاً من أن يبقى بالمنزل. وكانوا يبنون نوافذ متقابلة حتى يسمح للهواء بالمرور وتبريد المكان، إضافة إلى النافورات والبرك المائية الصناعية التي توضع في فناء المنازل والأماكن العامة تكون متاحة للجميع. لعلنا بالعمارة الحديثة فقدنا الكثير من مميزات العمارة القديمة التي كانت تراعي البيئة والحالة المادية للأفراد وتحافظ على جمالية المكان.

وفي فصل الصيف ومع ارتفاع الحرارة يهرب الناس إلى مناطق أقل حرارة، لذلك يعد فصل الراحة والسبات واللهو والسفر لدى الكثيرين، لاقتران إجازة المدارس والمؤسسات التعليمية به، فهو الفصل الذي يشهد تباطؤ وتيرة الأعمال في المؤسسات لخروج الموظفين في إجازات مع أسرهم هروبًا من حرارة الجو، ولسعة فواتير الطاقة التي عادة ما تكون حارقة للجيوب، ومن الفصول التي تتسبب في خسائر اقتصادية للأفراد والدول نظرًا لارتفاع تكلفة الرحلات السياحية، والإنفاق والكوارث الطبيعية الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة كحرائق الغابات وتأثر المحاصيل الزراعية نتيجة الطقس غير المستقر. كما يعد من أكثر الفصول ارتفاعًا في معدلات الجريمة بسبب الإجازات وتوافد السياح واكتظاظ الناس في الأماكن العامة مما يؤدي إلى حدوث احتكاكات وأعمال عنف.

بطبيعة الحال تنخفض إنتاجية الموظفين والعمال، في القطاعات الميدانية التي تتطلب تواجد العمالة والموظفين خارج المكاتب، وذلك بسبب انخفاض ساعات العمل تجنباً للإجهاد الحراري، فقد أثبتت الدراسات أن حرارة الجو تؤثر على أداء الإنسان، وتُشتت التركيز والانتباه بشكل عام.

عادةً ما يتأثر القطاع الصحي مع تزايد الحالات الصحية الناتجة عن الإجهاد الحراري وأمراض القلب والحروق وعادة ما تزيد الوفيات بين كبار السن والأطفال في المناطق التي لم تتخذ خططاً مناسبة لمواجهة الموجات الحارة. لذلك وضعت الكثير من البلدان استراتيجيات خاصة لمواجهة حرارة الصيف من خلال تبريد المدن باستخدام مواد بناء لا تمتص الحرارة وأخرى تعكس حرارة الشمس كالألوان الفاتحة والقيام بالتشجير لامتصاص حرارة الشمس وتوفير قدر من الظلال، فنرى النباتات تزين المباني والشرفات بشكل هندسي جميل كمشروع أبراج "بوسكو فيرتيكالِهْ" في ميلانو.

يتخذ أغلب المشاهير والأدباء والمبدعين من الصيف استراحة للراحة والتمتع بأجواء الصيف على الشواطئ وفي المصايف ويتخذون من فصل الشتاء وقتًا للإنتاج، يقول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عن الصيف "كُنا نلغو أثناء الصيف، فلنجِدَّ أثناء الشتاء، وما الذي كان يمنعنا من اللغو أثناء الصيف، وفي الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها، فتوشك أن تنام وتسير على مهل يشبه الوقوف". بينما يرى نزار قباني أن الصيف هو ذاته يتكرر كل عام، فيقول لحبيبته "لا تتكرّري كالصيف".

بالرغم من حرارة أجوائنا الصيفية بسبب الاحتباس الحراري، إلا أن الصيف يعد من الفصول المُبهجة التي تطرد اكتئاب الشتاء، وتعزز النشاط والصحة بشكل عام، فهو يعبِّر عن الطاقة الإيجابية نظرًا للتعرض لنور الشمس الذي يعد شفاءً لبعض الأمراض النفسية والجسدية. ويحمل الصيف بين طياته هدوء النفس وراحة البال والكثير من الحرية والمرح وذكريات الماضي الجميل. وقد وصف إيليا أبو ماضي الصيف بالأبيات التالية:

عادَ لِلأَرضِ مَعَ الصَيفِ صِباها

فَهيَ كَالخَودِ الَّتي تَمَّت حُلاها

صُوَرٌ مِن خُضرَةٍ في نَضرَةٍ

ما رَآها أَحَدٌ إِلّا اِشتَهاها

ذَهَبُ الشَمسِ عَلى آفاقِها

وَسَوادُ اللَيلِ مِسكٌ في ثَراها

وَنَسيمُ الفَجرِ في أَشجارِها

وَشوَشاتٌ يُطرِبُ النَهرَ صَداها

أجمل أيام الصيف التي نقضيها بين أحضان الطبيعة في الجبال والسهول والشواطئ؛ فالسياحة الشاطئية من أكثر أنواع السياحة رواجًا في الدول التي استطاعت أن تستثمر في مجال تأهيل الشواطىء والجزر والجبال وتحويلها إلى مقاصد سياحية على مدار العام والترويج لأنشطة الغوص، والتزحلق على الأمواج والصيد والقوارب الشراعية والطيران الشراعي، وغيرها من الأنشطة والرياضات البحرية والشاطئية التي تستقطب السياح والمحترفين، وما زلنا ننتظر أن تؤهل المواقع الطبيعية والسياحية بالخدمات والمرافق الضرورية؛ فعُمان غنية بطبيعة رائعة ومختلفة، ويكفي أن تكون مختلفًا حتى تجذب السياحة.