جلسة زار

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

من الطقوس الغريبة التي لا تزال تستحوذ على عقول بعض الأفراد، ولا يزال الكثير من الجهلة والسذج يعتقدون بها، ويؤمنون بأن تلك الطقوس هي مصدر من مصادر الإعانة والرزق والشفاء والتوفيق للإنسان، وأنها من طرق قضاء الحاجات المتعسرة ودفع الضرر عن الناس، وهذه الطقوس الغريبة هي التي تعرف بـ"جلسات الزار".

ورغم أنَّ بعض من يستثمرها أو يدافع عنها إما أن يضعها في دائرة الفنون أو دائرة العلاج الروحاني، إلا أن حقيقتها لا تتعدى الاستعانة بالجن والسحرة لأغراض دنيوية، وهو أول الكلام؛ إذ إن ذلك هو الاستعانة بغير الله تعالى والتي نهى الله عنها في كتابه الكريم الذي يمثل دستورنا في الحياة، وكذا نهى عنها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي بُعث هدى للناس.

ومظهر هذه الجلسات وما يجري فيها من أمور كإشعال البخور بشكل مكثف بحيث يسيطر دخانه على المكان، وتُقرع الطبول، ويرقص الحضور أو تتمايل أبدانهم بنحوٍ ما، ويتم إراقة الدماء بالذبح، وأكل الجمر، وما إلى ذلك من صور وأشكال، لا تُعبِّر عن التحلي بالعقل، ولا التميز بالحكمة التي أمرنا الله بها.

وبالرغم من أن لجلسات الزار عمق تاريخي عند الأفارقة قديمًا، وبالأخص المجتمع المصري في القرن التاسع عشر وجذرًا وثنيًا، إلّا أنها تسللت إلى البعض في مجتمعاتنا الخليجية والعربية، وتركت آثارًا كبرى منها خسران البعض لأموالهم وصحتهم وعافيتهم وابتلاء الكثير منهم بالأمراض النفسية بسبب تعلقهم بتلك الجلسات المحرمة شرعًا وعُرفًا.

وبقليل ما أحطتُ به عن جلسات الزار فإنك يمكن أن تكتشف أنها نوع من الشعوذة والسحر أو الدجل والاستغلال باسم هذا النوع من الطقوس لتحصيل المال من خلال تحضير أرواح وتلبية طلباتهم، وبالمقابل طلب العلاج منهم للمرضى والخير والبركة للفقراء!!

هذا كله أو أكثره من المجمع عليه عند جل علماء الدين من مختلف المذاهب الإسلامية، كما يبينه كتاب الله ونصوص نبيه وخلفائه، بأنه من المنكرات المؤكدة لأنها تجعل من الإنسان ناسيًا لله تعالى، متجهًا نحو شباك إبليس اللعين؛ حيث إن الاستعانة بالجن والسحرة في جلسات الزار وغيرها لا تزيد من الإنسان في حياته إلّا بُعدًا عن ربه وقربًا من عدوه إبليس اللعين الذي قال "فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ"، لذا تجد بعض الأفراد والأسر والمجتمعات التي تسمح لتلك الطقوس أن تخترقها تعيش حالة من التعب والقلق والإرهاق.

هناك اعترافات واضحة وصريحة من علماء النفس، بأن الذين يحضرون جلسات الزار هم في الأساس مرضى، أصيبوا باضطرابات نفسية، جعلتهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أن الزار هو العلاج الأمثل لمشاكلهم الصحية والنفسية والبدنية، وهذا في حد ذاته خطأ فادح يرتكبه البعض في حق نفسه، والصحيح والسليم، وما ينبغي فعله والمحافظة عليه بهدف علاج الأمراض النفسية، هو التوجه إلى الله تعالى وزيارة أطباء النفس من أهل الاختصاص، وعدم زيادة الأمراض النفسية بحضور جلسات الزار التي لا فائدة منها إلا جلب المزيد من الأمراض النفسية والبدنية.

من المؤسف جدًا عندما ترى بعض الرجال والنساء من الشباب والمراهقين وكبار السن، والعاطلين عن العمل، يسارعون لحضور جلسات الزار معتقدين أنهم يحضرون مجالس الرزق والشفاء والتوفيق، وهم لا يعلمون أن تلك المجالس حالها حال القمامة التي يتهافت عليها الذباب من كل مكان وصوب، ليتغذى على الأوساخ والقاذورات والنجاسات.

تعاني بعض المجتمعات اليوم من بعض النساء والأطفال الذين وقعوا فريسة الاغتصاب الممنهج في تلك المجالس بحُجة أن الجن يطلبون ذلك وأن الحالة المرضية التي يُعاني منها المريض ليس لها علاج سوى هذه الممارسة المُحرّمة، وبهذه الصورة يتم استغلال واستدراج جهل الناس وهنا تأتي الكوارث المجتمعية والأسرية، كقطع الليل المظلم على المجتمع وأفراده.

لذا يجب على الإنسان أن يتقي الله تعالى في نفسه، ويعلم أن لا كاشف للضر والسوء في الحياة إلا الله تعالى وحده لا شريك له، أما الاعتماد على الشعوذة والمشعوذين والسحرة من خلال تلك المجالس لا يزيد الإنسان إلا رهقًا، وهذا ما صرح به البارئ تبارك وتعالى في كتابه العزيز؛ حيث قال: "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا"، وقال الصادق من أهل بيت النبي عن آبائه عن علي بن أبي طالب أنه قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رَأَيْتُمْ مِثْلَ هَذَا؟ قَالُوا: كُنَّا نَقُولُ مَاتَ عَظِيمٌ وَوُلِدَ عَظِيمٌ. قَالَ: فَإِنَّهُ لاَ يُرْمَى بِهِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلِحَيَاةِ أَحَدٍ وَلَكِنْ رَبُّنَا إِذَا قَضَى أَمْراً سَبَّحَ حَمَلَةُ اَلْعَرْشِ وَقَالُوا: قَضَى رَبُّنَا بِكَذَا فَيَسْمَعُ ذَلِكَ أَهْلُ اَلسَّمَاءِ اَلَّتِي تَلِيهِمْ فَيَقُولُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ أَهْلَ اَلسَّمَاءِ اَلدُّنْيَا فَيَسْتَرِقُ اَلشَّيَاطِينُ اَلسَّمْعَ، فَرُبَّمَا اِعْتَلَقُوا شَيْئاً فَأَتَوْا بِهِ اَلْكَهَنَةَ فَيَزِيدُونَ وَيَنْقُصُونَ، فَتُخْطِئُ اَلْكَهَنَةُ وَتُصِيبُ، ثُمَّ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَعَ اَلسَّمَاءَ بِهَذِهِ اَلنُّجُومِ فَانْقَطَعَتِ اَلْكِهَانَةُ فَلاَ كِهَانَةَ، وَتَلاَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: "إِلاّٰ مَنِ اِسْتَرَقَ اَلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهٰابٌ ثٰاقِبٌ".

كما إنه على الجهات الرسمية اليوم بالدولة مسؤولية عظيمة في محاربة تلك الجلسات ووضع القوانين الصارمة والرادعة لها، والتي من شأنها أن تجعل من المجتمع أكثر وعيًا ودراية بما ينفعه ويضره، وهذا لا يكون حتما إلا بتعاون الجميع، فكما أن من الواجب على الدولة وضع القوانين الصارمة والمانعة من إقامة وحضور تلك المجالس وانتشارها في المجتمع، كذلك يجب على المربين والمصلحين كالآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات، استغلال منابر الأسرة والمدارس والجامعات، والمساجد والجوامع، بهدف توعية أفراد المجتمع بخطر جلسات الزار والتعريف بأضرارها على الحياة الاجتماعية والأسرية.