علي بن سالم كفيتان
عودة إلى مقالي الأسبوع الماضي "مدينتي ليست لي"، والتفاعل الواسع مع فكرة المقال التي انصبت حول أهمية أن نبني مدننا لسكانها وليس لزوارها، وبالنتيجة إذا أحسنا ذلك ستكون تلك المدن النموذجية النظيفة التي تحظى بالخدمات العصرية المتكاملة مواقع جذب للزوار، وركزنا على النظرة غير المستدامة لتطوير السياحة في بلادنا؛ فمعظم الإجراءات تكون مؤقتة ومؤطرة بشكل محكم بحيث لا ينفذ منها إلا طويل العمر، ولا أدل على ذلك من الإعلان الأخير للطيران العُماني عن أسعار التذاكر بين مسقط وصلالة.
وكنت أتمنى ألا تتم الإشارة إلى التوجيهات السامية لمولانا- رعاه الله- في ذلك الإعلان؛ فالأسعار الجديدة لا تُرضي الطموح ولا تُعبِّر عن الإرادة السامية النبيلة لمولانا جلالة السلطان المعظم- حفظه الله- التي تدخلت لتقليل المعاناة عن سكان المحافظة وكل من يتَّجه إليها أو يعمل بها؛ فاختزال الأمر في 3 أشهر خلال موسم الخريف وخفض سعر التذكرة ليصل إلى 54 ريالًا لا يُسمن ولا يُغني من جوع، ويؤكد ما ذهبنا إليه في مقالنا السابق أن الإجراءات والتسهيلات التي تتخذها بعض الجهات- للأسف- تكون آنيّة لخدمة الآخرين، ولا تقوم على ترسيخ مفهوم سياحي وحضاري هدفه الإنسان.
إنَّ المتابع لسيرة الناقل الوطني يرى توجهًا للخارج على حساب الداخل؛ فجل التسهيلات والتخفيضات والحزم السياحية تُقدم لمحطات خارج الوطن من أجل حصد جوائز وميداليات عالمية، في مقابل خسارة مليونية تُعاني منها الشركة. ووضعنا في الداخل يجب أن يكون مختلفًا وألا تتعدى قيمة التذكرة 25 ريالًا بين مسقط وصلالة أو صحار أو الدقم أو مسندم وغيرها؛ لتشجيع السياحة الداخلية، وأنا على يقين بأن الأسطول سيشهد حركة غير مسبوقة؛ لأن الأمر مجدٍ للإنسان العادي؛ فالجميع يستطيع ركوب طائرة والذهاب لأي بقعة في هذا الوطن في غضون ساعة زمن، ولا شك أن مولانا جلالة السلطان- أيده الله- عندما وجه بمراجعة الأمر لم يكن الهدف آنيًا لموسم سياحي؛ بل للتخفيف عن كاهل الناس في محافظ ظفار بشكل خاص، كالمراجعين للمستشفيات والطلبة والموظفين والباحثين عن عمل الذين يجرون اختبارات ومقابلات في مسقط.. فلماذا هذه الترجمة غير الموفقة للإرادة السامية أيها الناقل الوطني؟
لا يُمكننا تقديم منتج سياحي في ظفار مع كومة التحفظات التي ما زالت حاضرة، أما الجهات التي أوكلت إليها أمور تطوير وتنمية المحافظة على مدى العقود الماضية، فهي كافية لنحكم على الجهود والتوجهات، وهي في ذات الوقت كافية لتقدِّم برهانًا لا لبس فيه أن ظفار هي الوجهة السياحية الأفضل في الخليج العربي، فلماذا التردد؟ ولماذا كل إجراءاتنا مؤقتة ومشروطة؟ ألا يجب أن ننطلق لساحات أرحب من الثقة والفكر القائم على إعلاء المصلحة الوطنية ورفاه الإنسان؟! ومتى سنرى ذلك واقعًا؟
لقد أثبتت لنا الأيام أن الفكر السامي لمولانا جلالة السلطان- أيده الله- تسبق بسنوات ضوئية أفكار بعض المسؤولين والمنتفعين، وليس ببعيد علينا التقارير التي كانت تُرفع عن عدم جدوى ميناء صلالة منذ بداية النهضة حتى عام 1998؛ لنكتشف اليوم أنه الميناء الثاني عالميًا من حيث سرعة مناولة الحاويات وتسهيل الإجراءات، في الوقت الذي ما زلنا نتجادل فيه اليوم حول مطار صلالة، هل يكون عالميًا أم محليًا؟ لنكتشف أن سعر الوقود في صلالة أعلى من الوقود في مطار مسقط. وهنا يعود جلالته- أبقاه الله- ليُنصف المحافظة ويُعيد الأمور إلى نصابها، فكم من الوقت سنحتاج ليصبح مطار صلالة دوليًا؟ وكم من الوقت سيحتاج الناقل الوطني ليفهم ذلك ويسعى له على أرض الواقع؛ فإنشاء مطار دولي ثانٍ يعني منطلقًا جديدًا للناقل الوطني إلى العالم، ولا شك أن ذلك لن يؤثر على مطار مسقط كما يروج البعض؟!
ولكي تكتمل الصورة في ظفار، لابُد من وجود مصفاة لتكرير المشتقات النفطية وتفعيل المنطقة الحرة بصلالة، وفتح قنصليات ومكاتب تمثيل تجاري؛ لكي تمتلك المحافظة قوة جذب جديدة للاستثمارات الخارجية، وهذا بدوره سيجعل من مطار صلالة الدولي (مستقبلًا) خلية نحل؛ فالموقع استثنائي بكل المقاييس والأرض والإنسان يمتلكان كل المقومات لإيجاد واقع اقتصادي جديد يخدم عُمان.
أتمنى أن تُراجع أسعار ناقلنا الوطني وأن يكون هدفها الإنسان في عُمان.... حفظ الله بلادي.