الحُب المثالي

 

حمد الحضرمي **

 

الحب له أشكال وأنواع لا حصر لها؛ إذ إنه لا يقتصر على علاقات البشر ببعضهم البعض، وإنما يتسع ليشمل العلاقات بين كافة المخلوقات التي تمشي على الأرض، والتي تطير بالسماء، والتي تغوص في أعماق البحار، وكذلك تبادل الحب بين البشر وغيرها من المخلوقات كالحيوانات والطيور.

الحب من أجمل المشاعر الإنسانية التي تجعل للحياة طعم ومذاق خاص، وقد يأتي الشعور بالحب تجاه شخص فجأة بسبب وجود توافق وتشابه في الصفات بين الطرفين، أو بسبب الشعور بالراحة والطمأنينة عند التحدث ورؤية بعضهما البعض، وقد تكون جاذبية الطرف الآخر ووجود اهتمامات مشتركة سببًا في الوقوع في الحب النقي؛ فالحب هو إحساس عظيم وقويّ يشعره المرء اتجاه شخص ما؛ الأمر الذي يجعله ينجذب له عاطفيًا بشدةٍ ويتأثر به. والحب شعور جميل، ومحرك ووقود ومستودع هذا الحب هو القلب، الذي إذا صلح صلح الجسد، وإذا فسد فقد تعس ومرض الجسد، فهذا الحب يرفع ويرقى بالروح، وحين يصدق المسلم في حبه لله تعالى ورسوله، فإنه يتحرر به من ضغوط المادة ودوافع الغريزة، ونزوات الذات، وألوان الوهن والضعف البشري، وتنتظم به حياته وفق قيم سماوية وموازين علوية.

والحب له العديد من المصطلحات العميقة كالمحبة والحنين والشوق والشجن والهيام والاعتزاز بالحبيب، والعناية به ورعايته باستمرار، والحب شعور ينمو ويزداد بمرور الوقت، فيروق فيه الحبيب لحبيبه ويُصبح مصدر للإلهام والشغف، وسببًا من أسباب السعادة والسرور في الدينا. ويعد الحب بأشكاله وأنواعه المختلفة أساس العلاقات الإنسانية بين البشر، والغاية من الحب الحفاظ على النوع البشري من خلال التعاون معًا ضد التحديات والصعاب والمشاكل والمخاطر لإستمرار الحياة البشرية، والحب معنى نبيل جاء به الإسلام ودعا إليه، ومن سمات المسلم أنه محب لكل خلق الله، فيرى الجمال أينما كان، ويعمل على نشر الحب والمحبة حيثما حل، والحب هو إحساس يبدأ أحيانًا بنظرة ولقاء بسيط عابر، يراود المرء فيه شعور بانجذاب للطرف الآخر، ثم يتطور هذا الشعور مع الوقت ليصبح هدف وغاية للتقرب بينهما، حيث يُلاحظ المرء تغيرًا في مشاعره اتجاه شخص آخر، وقد يتردد في بداية الأمر في البوح أو الاعتراف بهذه المشاعر لغاية التحقق منها، ولكن الحب شعور واضح وعاطفة قوية يصعب التكتم عليها وإخفائها، وبالتالي لا بد أن تظهر علاماته الواضحة على صاحبه.

وقد أولى الإسلام الحب عناية كبيرة، وحث الناس على الحب والمحبة الصادقة، وقد جعل الله سبحانه وتعالى الزواج هو باب الحلال في العلاقة، والحب بين الرجل والمرأه هو سراج النفوس، لأننا نريد بيوتًا تقوم على الحب والتقدير والإحترام، فالحب في الأصل مباح، فهو ليس حرام، ولكن يتوجب علينا عند وقوعه التقيد بضوابط وأسس وقيم ومبادئ الأخلاق، ونختمه بالارتباط الوثيق بالزواج. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: حبي لكِ كعقدة في حبل.. فتضحك عائشة، ثم كلما مرت عليه سألته: كيف حال العقدة يا رسول الله، فيقول: كما هي، والحب رزق من الله، استنادًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني رزقت حبها" في إشارة للسيدة عائشة رضى الله عنها، وكان النبي يفتخر بحبه لزوجته ويظهره على الملأ أجمعين، فالحب سر من أسرار الإله، دقت معانيه لجلالته، وصعب على العلماء فهمه وتفسيره، وحار الشعراء في وصفه، إذ القلوب بيد الله يقلبها كيفما يشاء إذا الحب موجود، فهو ثمرة توفيق إلهي، وليس ثمرة اجتهاد شخصي، وشرط حدوثه أن تكون النفوس خيرة وتقية.

إن الحب أحد مكارم الأخلاق، ولكنه ذو سطوة وتأثير شديد على باقي القيم والصفات الأخلاقية، وكما يقال أن الحب يشفي من الأمراض، ويطيل العمر، ويكسب الشخص مناعة وقوة في الجسد، إذًا فالحب الصادق له القدرة على تحويل الأشخاص تمامًا، وتغيير سلوكياتهم وأخلاقياتهم عن طريق إكسابهم بعض الأخلاقيات التي لم تكن موجودة لديهم من قبل كالعطاء والوفاء والتسامح. إن الحب المثالي بين الأزواج ميثاق مقدس، فالمرء إذا خان حبيبه وتنكر لعشرته، وفجر في خصومته بعد أن جمعهما حب حقيقي عظيم، لهو أشد مضاضة على النفس، وأكثر تمزيقًا لنياط القلب، وقد يتسبب بنزيف حاد في الفؤاد يودي بالحياة، فرفقًا بقلوب أحبابكم، فالحب الحقيقي المثالي ميثاق مقدس بين الأزواج للأبد.

والحب فطرة وليس خطيئة، فقد زرعه الله فينا بنسب متفاوته، فبالمحبة وللمحبة وُجدنا، ونالت الحياة جمالها وكمالها، والحب صدق وعطاء، ولكن للأسف الشديد كثير من شباب اليوم الأولاد منهم والبنات يفرطون في استخدام عبارات الحب، ويتحدثون عن الحب والأحلام والأمنيات والمبالغات العجيبة، فيعيش الشباب في الأحلام بعيدين عن الواقع، ثم ينصدم كل منهما بواقع مرير فيتألم هو وتتألم هي، لأنهما كانا يحلمان ويتوهمان حبًا مزيف خادع كالسراب يحسبه الظمآن ماء، وإنني أحذر أبنائنا وبناتنا الشباب من الوقوع في الحب المزيف الذي يبنى على أحلام وأمنيات خيالية، فالإسلام دين واقعي لا يتعامل مع الخيال ولا يرسم المثاليات التي لا تتحقق، فكفاكم عبثًا أيها الشباب العابث وكونوا واقعيين.

وإنني أرى إن أعظم الحب وأشرفه في الاسلام هو حب الله ورسوله وطاعتهما، وأصدق الحب هو حب الأم لولدها، وأنبل الحب هو الحب الذي يكون بين شخصين تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، كيف لا وهما في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما ذكر رسولنا الكريم في الحديث. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضى الله عنه أروع الأمثلة في الحب المثالي في الإسلام والإخاء الصادق، وقصتهما في رحلة الهجرة وما حصل بينهما في الغار خير شاهد، فالناس إذا تحابوا في الله ضربوا أروع الأمثلة في الحب الصادق والوفاء والإخاء والإيثار،  وإنني لا اتحدث عن قصص الحب بين رجل وامرأة بمعناه الزائف المبني على المظاهر السطحية والاطماع الخفية.

ويجب على الإنسان أن يجعل محبة الله عز وجل في قلبه، فهذا الحب هو الحب الصادق والجميل الذي لا ينقطع أبدًا ولا ينتهي، فعندما نحب الله نطيعه ولا نعصيه، ونتقرب إليه بالطاعات لننال الأجر والثواب منه، الله أكبر عندها الاحزان تصغر، وكل قلب بعد كسر سوف يجبر، وإن أرق القلوب قلب يخشى الله، وأعذب الكلام ذكر الله، وأطهر حب الحب في الله، والله يعلم صاحب الحب الطاهر النقي، ويسمع الصوت الخفي، فإذا قلت يا رب فإما أن يلبي لك النداء، أو يدفع عنك الشقاء، أو يكتب خيرًا لك في الخفاء، ثم يحقق لك الأمل والرجاء.

** محام ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك