على ضفاف النيل وليالي القاهرة

مدرين المكتومية

في خضم مُعترك الحياة والتحديات اليومية التي تُلاحقنا في كل مكان وفي جميع الأوقات، يحاول المرء منِّا الهرب إلى ملاذات توفر له السكينة النفسية وهدوء الأعصاب، وحقيقةً لا أجدُ أجمل من ضفاف نيل مصر الخالد، ولا أروع من لياليها الصيفية الساحرة، كي أحظى بفرصة الابتعاد عن ازدحام جدول العمل من تغطيات صحفية ومؤتمرات وندوات ولقاءات مع مسؤولين.

نعم لقد أتيتُ إلى القاهرة، هنا؛ حيث أشارك في الملتقى الصحفي العماني المصري، مع نخبة من الصحفيين من عُمان ومصر، لكن هذا لا يمنع أنني ورغم مهمة العمل التي أقوم بها إلّا أنَّ التجول في شوارع القاهرة والسير على كورنيش النيل و"كوبري قصر النيل" والتقاط الصور مع أشهر أسدين في القاهرة، وكذلك زيارة المتاحف التي تزخر بالآثار العريقة والمتنوعة، كل ذلك يمنحني شعورا رائعا بالطمأنينة والهدوء. ففي وسط صخب القاهرة التي لا تنام، أشعر بالسكون النفسي، لا تزعجني أبدًا أبواق السيارات التي أعتقد أنها تمثل سيمفونية فريدة في شوارع القاهرة، ولا يصيبني رهاب الزحام، فأن تسير بأمان واطمئنان في شوارع "وسط البلد" بجوار المئات وربما الآلاف من الناس، من مصريين وعرب وأجانب، فهذه تجربة فريدة لا تتوافر في الكثير من دول العالم.

ورغم أن القاهرة الساحرة أصفها بمدينة المتناقضات، لكنها تمنح زائرها متعة حسية ومعرفية مُذهلة، لن أتحدث عن المطاعم المصرية التي تُعِد أشهى الأطباق بكل حب وسعادة، فهذا عامل المطعم الذي بمجرد أن يلمح مظهري ولكنتي الخليجية، حتى تعلو وجهه ابتسامة عريضة قائلًا "أهلا وسهلا يا هانم.. نورتينا والله.. يا أهلا بإخوتنا العرب". وأيضًا سائق السيارة الأجرة الذي يعرض بكل كرم وسخاء أن ينتظرني في أي مكان حتى يقلني إلى الفندق مرة أخرى.

بكل صدق أقول إنني عندما أضعُ قدمي في أي مكان في مصر، يتملكني شعور عميق يُدغدغني في داخلي، أشعر أني أُريد أن أضحك بصوت عالٍ وأن ابتسم في وجه كل من أقابله من الإخوة المصريين؛ إذ أشعر وكأني بطلة في أحد أفلام السينما المصرية، سواء تلك الأعمال الرائعة بالأبيض والأسود مع نجوم مثل إسماعيل يس أو أحمد مظهر أو ماجدة ورشدي أباظة، أو شادية، أو الأفلام الحديثة مع نجوم أمثال أحمد حلمي ومنى زكي، أو نيلي كريم أو حتى في برنامج المقالب الشهير مع رامز جلال!

أجمل ما يُسعدني في القاهرة السير بمفردي بين النَّاس، وتأمل الوجوه التي تعكس ما في القلوب من طيبة ومحبة للآخر، فالشباب يتسامرون في الشوارع وعلى المقاهي والضحكة ترتفع من حناجرهم، والفتيات يجلسن بجوار بعضهن في سعادة بالغة وهن يتحاورن في أمور شتى. ذات مرة اقتربت من مجموعة فتيات في أحد المطاعم الشعبية بمنطقة الحسين الأثرية، بالقرب من مقهى الفيشاوي الشهير، واستمعت إلى حديثهن، وكنَّ يتحدثن عن تقدم أحد الشباب لخطبة إحداهن، وكانت الفتاة مترددة وتستشير صديقاتها، فلم أجد نفسي إلا وأنا أشاركهم الحديث وأنصحها بقبول هذا الخطيب إذا كانت تشعر بالحب في داخلها، بصرف النظر عن ظروفه المادية أو متطلبات الزواج هذه الأيام في مصر، وقد لاحظت فعلًا الارتفاع الكبير في تكلفة المعيشة، وما كان من الفتيات إلا أن ابتسمن جميعًا ودعونني إلى الجلوس معهن على نفس الطاولة، وقضينا ساعة جميلة من الحديث عن عمان وعاداتها؛ إذ كن حريصات على معرفة الكثير عن السلطنة.

لا شك أن بلداً مثل مصر لا تكفي زيارته لأيام قليلة معدودة، أو أن تقوم بزيارة عابرة، لذلك أحرص دائمًا على زيارة مصر كلما سنحت الفرصة، لأنَّ مصر بالنسبة تمثل نقطة جذب غير مفهومة، عشق تائه لا سبيل لإطفاء نار لوعته وشوقه سوى لقاء معشوقته، القاهرة وأماسيها الطويلة، إسكندرية وبحرها الساحر، وكُلي أمل أن أزور مختلف المدن المصرية للاستمتاع بجمالها ودلالها وعظمتها.

إلى اللقاء يا قاهرة المعز، ولنا موعد يتجدد يا درة الشرق يا مصر.

الأكثر قراءة