الاقتصاد الريعي يُنتج الفكر الريعي

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

كثيرة هي المؤثرات على تكوين شخصية الفرد والجماعة، وبالنتيجة الحتمية صياغة فكره وقناعاته وعقائده الدينية والفكرية؛ فعلم الاجتماع تحدث كثيرًا عن شخصيات كل بيئة وطرق وأساليب معيشتها وأنماط تفكيرها؛ سواء كانت شخصية مدنية أو جبلية وريفية أو بدوية صحراوية.

والبيئة بشكل عام وبمفرداتها المعروفة، لا يمكن أن تُنسب إليها كافة الصفات والطباع وأنماط التفكير والسلوك؛ فالاقتصاد له مفعول السحر كذلك في صياغة الشخصية وتوجيه سلوكها وتحديد أطر تفكيرها، ومن ضمن هذه الشخصيات، تأتي الشخصية الريعية والتي ينتجها عادة الاقتصاد الريعي (أحادي المصدر)، وكما هو الحال في أقطار الخليج العربية، فلو نظرنا اليوم حولنا لوجدنا أن أغلب الشخصيات والمجتمعات شكّلها الاقتصاد بطابعه ونوعه وثقافته المصاحبة له.

نحن في أقطار الخليج العربية، انتقلنا مع استخراج النفط من اقتصادات تقليدية تعتمد على الرعي والحرف اليدوية والصيد البحري والزراعة، إلى اقتصادات ريعية مصدرها الوحيد استخراج النفط وتدوير عوائده في مفردات التنمية، وهذا النوع من الاقتصاد أنتج لاحقًا عقلية الشريك النائم والتجارة المستترة وثقافة الثراء بامتياز؛ حيث رَكَنَ المواطن والتاجر والحكومة معًا إلى الدعة والراحة بانتظار عوائد الدخل الشهري، أيًا كان مصدره أو نوعه أو إدارته، أي عائد بلا جُهد.

الخطورة في عقلية الاقتصاد الريعي وثقافته تكمن في البقاء تحت رحمة المصدر الواحد للدخل وتذبذب أسعاره، مع التوسع التنموي غير المدروس، وبالنتيجة مضاعفة الإنفاق على حساب الدخل في كثير من الأحيان، والدخول في سقف المديونيات والقروض للحفاظ على معدل وتيرة الحياة، دون مراعاة عواقب ذلك.

كما إن عقلية الريع أنتجت أخطر وأسوأ أنواع الاقتصادات والتي تُعرف بالاقتصاد الطفيلي (عقارات، أسهم، تأسيس مصارف وشركات...إلخ)، وهذا الاقتصاد والذي لا يراعي شيئًا من قيم التجارة وثقافتها، ولا يحقق أي وزن للقيمة المضافة في مشروعاته واستثماراته؛ بل ولا يستفيد منه من هم أبعد من الحلقة الضيقة الأولى لأصحاب رأس المال، وهذه في مجملها من ظواهر ثقافة الثراء الخالية من قيم الاقتصاد وثقافة التجارة وقيمها.

يُمكن للشخص تمييز كل شخصية بتأثير اقتصادها وثقافته عليها؛ حيث تجد التجديد والتنوع والإبداع لدى أبناء الاقتصادات النوعية المتعددة المصادر، وتجد الانكماش التجاري والفكري لدى أبناء الاقتصادات الريعية.

لم يكن للعملاق الصيني أن يجتاح العالم بعقلية الفلاح التي أنتجتها ثورة الزعيم "ماوتسي تونج" الثقافية، لولا تطعيمها بعقلية الصناعة والإنتاجية، تلاها تطعيم الاشتراكية الصينية ببعض مفردات الرأسمالية المنضبطة، مثل: السماح بالملكية الفردية وحمايتها، وحرية تنقل رؤوس الأموال من وإلى الصين وفق المعايير المصرفية العالمية، كما إن ثقافة الاقتصاد الشامل التي غرسها الزعيم أحمد سوكارنو في شعبه الإندونيسي في الخمسينيات من القرن الماضي، حفّزت كل مواطن على إنتاج ما يجيده من موقعه بدءًا من منزله، وخلّقت عقلية إنتاجية تنافسية نقلت إندونيسيا إلى مصاف الاقتصادات العملاقة في العالم بخطى حثيثة.

الاقتصاد اليوم هو المؤشر القيمي والعلمي والأخلاقي للشعوب، ومن أراد التحكم في تلك القيم وتأطيرها، عليه تأطير قيم اقتصاده ورسم ملامحه أولًا وقبل كل شيء.

قبل اللقاء: لم تعد الحاجة أم الاختراع اليوم؛ بل الاختراع هو الحاجة بذاتها، فليس بالضرورة أن تخترع لحاجتك؛ بل ما يحتاجه غيرك كذلك.

وبالشكر تدوم النعم.