حرب مع سحلية‎

أنيسة الهوتية

لم أتصور نفسي هكذا أبدًا! أن أتحول إلى امرأة جبارة ومحاربة شرسة تزهق على يدي عمدًا أرواح ليست بريئة مستحقة ذلك الموت الشنيع.

ورغم مهامي الكثيرة التي تكفلت بها في معركة الجهاد في الحياة إلا أن مهمة القتل لم تكن لي أبدًا ولكن عليَّ أن أقوم به رغمًا عن أنفي حين يكون صاحب المهمة مُجازًا، وإلا فإنَّ العدو سيتوغل وفي توغله فتنة ومفسدة وضرر.

وبعد الانتهاء من العبادة الصباحية، تَم الاستعداد لإتمام المهام المنوطة إلى من قبل نفسي كوني سيدة البيت الأولى، فكانت الخُطة أن يمتلأ اليوم بانتعاش رائحة الصابون والمنظفات المختلفة التي سوف تجعل الأرضيات كلها "تلج لج" حتى تنعكس عليها أضواء اللمبات المضيئة من الأسقف، والنوافذ تبدو وكأنها مفتوحة وإن كانت مقفلة، والجدران والأسقف كذلك بمقياس ما أستطيع الوصول إليهِ لقصر قامتي التي لا تتعدى الـ154 سم، وعدم رغبتي في الاستعانة بالسُلّم لعدم وجود مساعد يمسكهُ حاليًا؛ لأنه سينزلق حتمًا كعادته الدائمة المحبة للانزلاق على الرخام والبلاط، ولا وقت لدي للمجازفة واللعب مع مزاج الدرج التافه حاليًا؛ لأني تحولت فجأة إلى إنسانة جادة جدًا وأريد إنهاء كل شيء في أقل وقت ممكن، وكأنني في مسابقة لكسر رقمي الشخصي في التنظيف والذي هو في الأساس متنفسٌ لإطلاق الطاقة السلبية، وكذلك لإرهاق عقلي وسحبه من عوالم يحب الغوص فيها حتى يغرق مما يؤدي إلى طلب النجدة ثم الإسعافات الأولية للإنعاش!

فعلًا اكتمل التحدي وكُسر الرقم الشخصي والأرضيات تلاصفت، وبينما أرجع كل شيء إلى مكانه وأنا مُنهكةً القِوى إذا بي ألمح ذلك المخلوق الكريه البغيض المقزز وهو يراقبني من بعيد على الجدار فوق باب المطبخ الداخلي المطل على المغسلة! "أخخخخ يا إلهي"، وإذا بي أشعر بالأدرينالين يتدفق في دمي الذي أصبح يفور ويغلي؛ بل وأكثر من الغليان، ولا أعلم ماذا أفعل؟ هل أصرخ كالمعتاد؟ ولكن لا أحد هنا لينقذني منه! هل أتركه وأذهب عنه، ولكنه سيطلق الفورمونات ويجذب بني جنسه إلى مكانه ثم سيتكاثرون! ماذا أفعل؟

لم استغرق وقتًا طويلًا في التفكير، وإذا بي آخذ "النعال" وأطلقها كالصاروخ العابر للقارات على رأسه، لكن الصغير القذر بجسده المرن تمكن من المناورة بحركة صغيرة لا تتعدى سنيتمترًا واحدًا، بينما أنا قمت بقوة الإطلاق ذلك كله! كَم هذا مُزعج ومغضب! أخذت الفردة الثانية وأطلقتها بسرعة أكبر حتى لا يحصل على فرصة مناورة لكنه تحرك بالكامل وخرج عن موقعه!

لم أدعه، فضربت الباب حين لاحظته ينزل إلى الأسفل، فدخل من بين فتحة الباب وذهب إلى تحت الغسالة، سحبت الغسالة فرأيت ذيله وضربته بالنعال، لكنه خرج إلى جهة اليمين بلا ذيل، حرّكت الغسالة إلى اليسار وضربته ولكنه هرب ثم تسلق الجدار من خلف الغسالة ولكنه انزلق وسقط على ظهره، فضربته ضربة شلّت حركته لكنها لم تكن ضربة مُميتة، فألحقته بالثانية والثالثة والرابعة حتى العشرين إلى أن وجدته قد تفتت تمامًا حتى خرجت من بطنه ذبابة ميتة يبدو أنها كانت آخر وجبة له!

رميتُ النعال من يدي وبدأت أشعر بخروج المحارب من جسدي ودخولي إلى نفسي، وشعرت بتشنجات من القشعريرة والاشمئزاز والتقزز، فقمت بالصراخ المجنون ليس لطلب النجدة والمساعدة؛ بل لإفراغ حالة الانفصام التي أصبحت فيها وغسلت يدي مليون مرة حتى انتهت علبة الصابون.

جلست على الدرج لأرتاح من تلك الحرب الضروس التي أرهقتني أكثر من مهمة التنظيف، وأنا أفكر من أين دخل والبيت كله محمي؟ أين كانت الثغرة حتى نسدها؟!