باني مستقبل عُمان

◄ النهج السامي الفريد في قيادة النهضة المتجددة يرتكز على التدرج المرحلي

◄ عُمان تمضي على مسار الانتعاش الاقتصادي بروح وثّابة نحو الازدهار

◄ "مسارات المستقبل" ترسم ملامح "عُمان المجد" في العهد المُتجدد

 حاتم الطائي

سيُسجِل التاريخ يوم الأربعاء الحادي والثلاثين من مايو لعام 2023، بحروف من ذهب، ويُسطِّر ما شهده ذلك اليوم من أحداث في ذاكرة الأمة، فقد كانت عُمان على موعد مع وضع لبنات المُستقبل المزدهر، وإرساء دعائم الخير والنماء لعقود طويلة مُقبلة، ففي هذا اليوم الأغر تفضَّل حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- بتدشين "مدينة السلطان هيثم" لتكون مدينة المستقبل في العاصمة مسقط، وشعاع الضوء الذي سيُنير ما حوله بطاقة متجددة مُستدامة، ومحور التقاء الثقافات المتنوعة، والنموذج الرئيس لمُدن المستقبل النموذجية.

ليس ذلك وحسب؛ بل في ذات اليوم وبعد سويعات قليلة، اجتمع جلالته- أيده الله- بمجلس الوزراء الموقر حيث تفضل فأسدى توجيهاتٍ سامية، لا يُمكن وصفها إلّا بأنها توجيهات تبنى المُستقبل الزاهي لعُمان، فقد تضمنت التوجيهات السامية الكريمة إنشاء صندوق "عُمان المستقبل" برأس مال ملياري ريال عماني (أي ما يزيد عن 5 مليارات دولار)، مع إطلاق برنامج للابتعاث الخارجي يتضمن 150 بعثة دولية في أرقى وأفضل المؤسسات الأكاديمية العالمية، علاوة على زيادة مخصصات برنامج المساعدات السكنية بنحو 26.4 مليون ريال، إلى جانب خطة وطنية طموحة لدعم إنتاج القمح العُماني بتكلفة 5 ملايين ريال، وأيضًا تمديد صرف منفعة الأمان الوظيفي للمواطنين المنهية خدماتهم من القطاع الخاص.

ومنذ أن تولى جلالة السلطان المعظم- نصره الله- مقاليد الحكم في البلاد، اختط نهجًا ساميًا فريدًا، يرتكز في جوهره على التدرج المرحلي وفق سُلم الأولويات، وحسب الإمكانيات المُتاحة. نهجٌ لا يقفز على الواقع، ولا يُغامر بخطوات غير محسوبة، ولا يُجامل على حساب مصلحة الوطن والمواطن. النهج الذي رسخه عاهل البلاد المفدى يتسم بعدة صفات سامية، أولها: التخطيط السليم، وثانيها: بُعد النظر واستشراف المستقبل، وثالثها: تلبية الاحتياجات المجتمعية؛ باعتبار أنَّ المواطن العُماني هو غاية التنمية وهدفها الرئيس.

هذا النهج الثلاثي استطاع أن يواكب المُتطلبات والمُتغيِّرات؛ بل واستطاع أن يتغلَّب كذلك على التحديات والمُعيقات التي كانت تعترض مسيرة النهضة المتجددة، وليس أقلها أزمة التراجع الحاد في أسعار النفط وتعطل سلاسل التوريد والإمداد، فضلًا عن الكارثة العالمية التي أصابت دول العالم، وهي جائحة كورونا "كوفيد-19". لكن بفضل الحكمة السامية وحُسن التدبير وبراعة التخطيط وعبقرية التنفيذ وفق مبدأ الأولويات، تمكنّت بلادنا من تجاوز ما يمكن أن نصطلح عليه بـ"عنق الزجاجة"، وهي تلك المرحلة التي شهدت التراجع الكبير في أسعار النفط ومن ثم انخفاض شديد في الإيرادات العامة للدولة، بالتزامن مع التداعيات الصحية والاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا. وهذا التلازم في التحديات، تسبب في ارتفاع الدين الخارجي لمستويات غير مُريحة، لا سيما وأن حكومة جلالة السلطان حرصت كل الحرص على مواصلة مسيرة التنمية على قدر المُستطاع، والأهم من ذلك كله أن عُمان- ولله الفضل والحمد- لم ولن تتخلف يومًا عن سداد أيٍ من التزامتها لمؤسسات التمويل الخارجية.

ومع استمرار التعافي الاقتصادي، وتنويع الدولة لموارد الدخل، وخاصة من المشروعات النوعية، وتحسن الإيرادات العامة، ونجاح سياسات ترشيد الإنفاق، والإدارة الحصيفة للموارد المالية، بدأت عُمان قبل نحو 10 أشهر من الآن، مسيرة الانتعاش الاقتصادي، فتحققت الفوائض المالية، بعدما كانت عجزًا متراكمًا لسنوات، وارتفع التصنيف الائتماني من جميع مؤسسات التصنيف الدولية، بعد انخفاضات متتالية، بل وتحسنت النظرة المستقبلية إلى إيجابية ومستقرة، ما يؤكد حصول الاقتصاد العماني ومالية الدولة على شهادة دولية واعتراف عالمي بنجاعة ما كان يتم اتخاذه من إجراءات، أسهمت إسهامًا كبيرًا في ما نحن عليه اليوم من استمرار التعافي الاقتصادي، في مختلف قطاعات العمل والإنتاج.

والنجاح الذي ترافق مع السياسات المالية التي انتهجتها الدولة خلال السنوات القليلة الماضية، وبتنا نجني ثماره حاليًا، يؤكد أنَّ تحلي المواطن العُماني بالصبر، وتحمله للتبعات الاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عن هذه السياسات، ساعد بصورة كبيرة في تجاوز التحديات، فلولا صبر المواطن ووعيه وإدراكه لما تمر به الدولة من مصاعب اقتصادية ومالية، ما كان ليتحقق هذا الإنجاز، وقد كان للسياسات السامية الحكيمة والرؤية الاستشرافية الرصينة الفضل الكبير في ذلك.

ومع توالي الإنجازات واحدًا تلو الآخر، يأتي الكشف عن تفاصيل مدينة السلطان هيثم لتكون أحد أهم المشروعات العملاقة في مسيرة النهضة المتجددة، والانطلاقة الكبرى نحو انتعاش اقتصادي كبير يشمل جميع القطاعات: العقاري، والسياحي، والإنشاءات، وتجارة التجزئة، والأغذية والمشروبات، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وغيرها الكثير. علاوة على ما سيوفره هذا المشروع الطموح من فرص عمل للشباب، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فكل الشركات التي ستنخرط في تنفيذ المشروع ستُعلن عن حاجتها للشباب العُماني، في مختلف الوظائف، وهنا على شبابنا أن يُسارع بالعمل، خاصة وأن شبابنا ومنذ فترة ليست بالقصيرة يتحلون بثقافة عمل مُغايرة عمّا كان شائعًا قبل سنوات، ثقافة ساعدتهم على خوض غمار مجالات عمل كانت بمثابة مناطق محظورة عليهم، لكن بفضل رحابة التفكير استطاعوا أن يُثبتوا قدرتهم على شغل مختلف الوظائف وبكفاءة عالية.

"مسارات المستقبل" التي بدأت عُمان المضي فيها قدمًا، لا تقف فقط عند "مدينة السلطان هيثم" التي تحمل شعار "إرث المستقبل"، وهو الشعار المُفعم بالطموح والأمل؛ بل إن هذه المسارات تشمل كذلك إنشاء "صندوق عُمان المستقبل". وما أجمل هذا التزامن والتشابه في الكلمات؛ حيث يأتي "المستقبل" كمفردةٍ مشتركةٍ ضمن أدبيات هذه المرحلة الزاهرة من عمر نهضتنا المتجددة، التي ترتكز أيضًا على رؤية "مستقبلية" للعقدين المقبلين، وقد انطلق قطار هذه الرؤية من محطتها الأولى، وها هو يُواصل المسيرة نحو محطات "منجزات" متعددة، تعود بالنفع على المواطن وبالخير العميم على وطننا الحبيب.

ومن أبرز ما يُميز جهود جلالة السُّلطان- أعزه الله- في المسير نحو المُستقبل، أن الاستراتيجيات والخطط والرؤى لا تعتمد على جوانب محددة أو مجالات بعينها؛ بل تنطلق في جميع المسارات وفي كل الاتجاهات، فصندوق عمان المستقبل لن يكون فقط صندوقًا استثماريًا تقليديًا، يضخ رؤوس الأموال في المشروعات "المضمونة" وحسب، لكنه أيضًا سيُخصص نسبةً من رأس ماله لتحفيز الاستثمار الجريء، وهو ذلك النوع من الاستثمارات التي تستهدف الأفكار غير التقليدية والمشاريع الناشئة، وهو ما يؤكد مواكبة الفكر السامي الحصيف للمُستجدات الاقتصادية العالمية من حولنا، لأن هذا النوع من الاستثمار يتسم بالجرأة والمخاطرة، لكنه يتميز بالعوائد المرتفعة، فكم من مشروع جريء حول العالم بدأ بعشرات الآلاف، لكنه في غضون سنوات قليلة انتقل إلى مرحلة المليارات، والنماذج عديدة ويُمكن الاطلاع عليها.

قطاع التعليم يأتي كذلك في صُلب عملية بناء المستقبل، وقد حقق النموذج العمُاني في التعليم نجاحات، على مدار العقود الماضية؛ سواء على المستوى المدرسي أو الجامعي، لكن ومن أجل مزيد من التميز في المخرجات التعليمية، وبهدف إدماج أبنائنا في مجالات علم حديثة ومُتقدمة، أقر مجلس الوزراء تعزيز برنامج الابتعاث الخارجي باستحداث برنامج "رواد عُمان"، والذي يستهدف إعداد خريجين قادرين على القيام بأدوار ريادية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، من خلال ابتعاثهم للدراسة في تخصصات المستقبل النوعية وفي أفضل الجامعات العالمية، وسيستفيد من هذا البرنامج المُستقبلي 150 طالبًا وطالبة، بتكلفة تصل 36 مليون ريال. والمُلاحظ أنَّ البعثات تركز على "تخصصات المستقبل"، ما يؤكد الحرص السامي الكبير على مواصلة تطوير قطاع التعليم وبناء الكوادر المستقبلية المُسلّحين بالعلوم والمعارف العصرية والنوعية.

التوجه نحو المستقبل يشتمل كذلك على تحقيق الأمن الغذائي، خاصة وأن أزمة سلاسل التوريد والإمداد- خلال الفترة الماضية- أكدت ضرورة أن تعكف كل دولة على ضمان أمنها الغذائي دون الارتهان للظروف الاقتصادية العالمية، ولذلك وفي إطار حرص الدولة على ضمان أمن غذائي لكافة فئات المجتمع، فقد وافق مجلس الوزراء على اعتماد خطة دعم إنتاج القمح المحلي بنحو 5 ملايين ريال عُماني حتى عام 2027، إلى جانب تخصيص أراضٍ بالانتفاع في بعض المحافظات لزراعتها، وهي خطوة نوعية ستقلل من اعتمادنا على الاستيراد لتوفير احتياجاتنا من القمح والطحين، فضلًا عن دورها في دعم نمو القطاع الزراعي العُماني.

ويبقى القول.. إنَّ الحرص السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله- على قيادة وطننا الحبيب والسير به نحو آفاق المستقبل، يتجلى في مختلف القرارات والتوجيهات، ويبرهن على ما يُوليه جلالته من اهتمام بالغ ببناء المستقبل في إطار ما يتحقق من مُنجزات في هذا العهد السعيد من نهضتنا المتجددة، ولا شك أن كل ذلك محل إشادة من جميع المواطنين، الذين اسبشروا خيرًا كثيرًا منذ الإعلان عن "مسارات المستقبل" التي أشرنا إليها. ولا شك أن خطوات بناء المستقبل التي تحدث من حولنا الآن، سنجني ثمارها في القريب العاجل؛ بل إننا بدأنا حصاد هذه الخطوات في غمرة الفرحة الكبيرة التي ينعم بها المواطن الآن، بفضل الإرادة السامية والروح الإيجابية التي تسود جهود التطوير، وقيادة عُمان المجد نحو المستقبل المشرق والمزدهر.