مختصون يشددون على ضرورة وضع أطر أخلاقية لاستخدام التقنيات الحديثة

الذكاء الاصطناعي "ناقوس خطر" للوظائف التقليدية.. و"الإبداع" كلمة السر في الحفاظ على العنصر البشري

الريامي: الذكاء الاصطناعي يقدم نتائج دقيقة يصعب التفريق بينها وبين الواقع

الشعيلي: لا يمكن استبدال الذكاء الاصطناعي بالإبداع البشري

البلوشي: التقنيات الحديثة تطفئ شعلة الإبداع الإنساني

السريحية: الآلات غير قادرة على محاكاة التميز الإبداعي البشري

القصابية: التقنيات الحديثة لا تمتلك التعبير عن المشاعر

الذكاء الاصطناعي يمثل تحديا للوظائف التقليدية ويخلق فرصا وظيفية جديدة

مفهوم الأمية سينطبق على غير القادرين على استخدام التقنيات الحديثة

◄ التدريب واكتساب مهارات جديدة أمور ضرورية لمواكبة التطور

الرؤية- سارة العبرية

يشهد العالم اليوم تطورا سريعا في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي شكل قفزة هائلة في مختلف المجالات، ودفع الكثير من الشركات للتطوير من أدائها واستحداث وسائل وأساليب جديدة لخدماتها معتمدة على الذكاء الاصطناعي، بعدما أثبت قدرته الفائقة في الكثير من المجالات مثل التعلم الآلي وتحليل البيانات والتعرف على الصوت والصورة.

وفي ظل هذا التطور الكبير والسريع، إلا أن هناك تخوفات من التأثير السلبي للاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي، وما يحمله من نتائج غير محمودة قد تلقي بظلالها على المجتمع ومستقبل العمل والإبداع البشري.

ويشير الدكتور سعيد بن سليمان الريامي رئيس شعبة تقنية المعلومات بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بمسقط، إلى ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي والتي تعتمد على تحويل النصوص أو الأوامر إلى أشكال أخرى مثل الصور والفيديوهات والمقاطع الصوتية والأكواد البرمجية والنماذج ثلاثية الأبعاد، مضيفا: "قد يكون الأمر للذكاء الاصطناعي كالتالي: اكتب لي رواية تدور أحداثها عن شيء مُعين، ليقوم نموذج الذكاء الصناعي مثل GTP-4 بتأليف رواية بناءً على الطلب، وأغلب الأمور المكتوبة تكون من المؤلفات، وكذلك يمكن أن نستخدم نموذجا آخر لإنشاء الصور مثل نماذج Midjourney, stable diffusion, DALL·E 2 أو adobe firefly  من خلال أمر مُعين، مثلا ارسم لي رسما رقميا لشخص بالفضاء، أو إعطائه صورة معينة وإخباره بتخيل التصميم الداخلي أو تحويل صورة أو فيديو لشخص لأي شكل نريده".

ويؤكد أن التقدم السريع في مثل هذه الجوانب يساهم في إخراج نتائج دقيقة وعالية الجودة، قد يصعب التفريق بينها وبين الأعمال التي يقوم بها البشر، وفي كل يوم يظهر تطورا جديدا ينافس النماذج الموجودة بشكل كبير.

ويقول الدكتور سالم بن حميد الشعيلي مدير مشاريع الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة: "الديكور الداخلي له برامج عدة برامج مثل "Planner 5D" و"Modsy" ، والآن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة المستخدمين في تصميم وتخطيط المساحات الداخلية، ويمكن للمستخدمين رؤية كيف ستبدو المفروشات في غرفتهم قبل الشراء، كذلك للموسيقى هناك العديد من البرامج التي تستخدم عن طريق الذكاء الاصطناعي لخلق موسيقى جديدة، مثل "AIVA" و"OpenAI's MuseNet" هذه البرامج تستخدم الذكاء الاصطناعي لتكوين قطع موسيقية بناءً على أنماط موسيقية محددة، أيضا للرسم والتصميم برامج مثل "DeepArt" و"DeepDream" وMidhoury و Dall-2 كلها تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحويل الصور إلى أعمال فنية، ويمكن لهذه الأدوات خلق صور تشبه اللوحات الفنية التقليدية أو توليد صور جديدة تمامًا"، لافتا إلى أن هذه الأدوات والبرامج تقدم فرصًا للإبداع، ولكنها لا تستبدل بالإبداع البشري الفريد إذ إن الذكاء الاصطناعي قادر على تقليد الأنماط والأساليب.

الذكاء الاصطناعي يهدد مستقبل الوظائف

ويوضح الدكتور سعيد بن سليمان الريامي أن الكثير من الوظائف الحالية سيتم الاستغناء عنها بالكامل، أو أن الوظيفة التي يقوم بها 20 موظفا وتأخذ أسابيع لإنجازها، سيكون من الممكن إنجازها من خلال موظف واحد يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وفي ساعات قليلة، الأمر الذي سيقلل حاجة المؤسسات إلى الموظفين.

ويرى أن مفهوم الأمية في العصر الحديث سينطبق على غير القادرين على استخدام التقنيات الحديثة لرفع ومضاعفة إنتاجيته؛ مؤكدا أنه على المستوى البعيد يجب التفكير في حلول استراتيجية مثل برامج الدخل الأساسي الشامل  Universal basic income  حيث تقوم الدولة توفير مبلغ يفي بمتطلبات الحياة الأساسية للعيش لجميع من يفقد وظيفته.

ويبيّن الريامي أنه على المبدعين استخدام الأدوات الحديثة كأداة مساعدة ترفع من المستوى الإبداعي للشخص في كل المجالات؛ لأنَّ كل فترة تظهر تقنيات جديدة تعيد صياغة الجانب الإبداعي، والفترة الحالية تشهد سيطرة نماذج الذكاء الصناعي التوليدي.

من جهته، يعتبر الدكتور سالم بن حميد الشعيلي أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحديا كبيرا للوظائف التقليدية ويرى الدكتور سالم الذكاء الاصطناعي يعد تحديا كبيرا للوظائف التقليدية، خاصة في القطاعات التي يمكن أن تتم أتمتتها بشكل كبير مثل الصناعة والنقل، إلا أنه في نفس الوقت يمكن أن يخلق التقدم التكنولوجي واستخدام الذكاء الاصطناعي فرص عمل جديدة لم يكن يمكن تصورها قبل عقود.

ويقول الشعيلي: "هنالك بعض الإجراءات التي يمكن أن تساعد الأفراد الذين قد يفقدون وظائفهم بسبب الذكاء الاصطناعي منها: التدريب والتعليم المستمر واكتساب مهارات جديدة خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، والقدرة على التكيف مع التكنولوجيا الجديدة باعتبارها مهارة هامة في القرن الحادي والعشرين، وإعادة توجيه العمل إذ إن هناك العديد من الوظائف التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها بفعالية، والتي تتطلب التفاعل البشري مثل الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والفن، ويمكن تدريب الأفراد على هذه الوظائف ودعم الابتكار وريادة الأعمال، وحث الأفراد على ابتكار أعمال جديدة وتوفير الموارد والتدريب المطلوب لمساعدتهم في ذلك، إضافة إلى السياسات الحكومية لأنَّ الحكومات قد تحتاج إلى لعب دور في توفير الدعم والتوجيه للأفراد الذين فقدوا وظائفهم بسبب الأتمتة، مثل توفير معاشات التقاعد المبكر أو الدعم".

استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مثالي

ويلفت الشعيلي أنه في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) بشكل متزايد في مجموعة واسعة من القطاعات بما في ذلك الفن والإبداع، فإنه يمكن استخدامه في تعزيز الإبداع البشري بهدف حماية القيمة والأصالة التي يحققها الإبداع البشري، كما يمكن اتخاذ بعض الإجراءات كتشجيع التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي؛ وتحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة مفيدة لتعزيز الإبداع البشري بدلاً من استبداله، موضحا: "يمكن للكاتب استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد الأفكار أو القصص، ولكن الإنسان يجب أن يكون الذي يقود العملية الإبداعية، ويجب تعليم الذكاء الاصطناعي الأخلاقيات والقيم؛ حيث من المهم أن نضمن أن الذكاء الاصطناعي يحترم الأخلاقيات والقيم البشرية، بما في ذلك القيم الإبداعية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التدريب المناسب والتعلم المشرف عليه، أيضًا وضع القوانين واللوائح قد تكون هناك حاجة إلى وضع قوانين ولوائح لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول في القطاعات الإبداعية، فعلى سبيل المثال، يمكن وضع قوانين لحماية حقوق المؤلفين عند استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة أو الفن واحترام حقوق الملكية الفكرية، ومن الأهمية بمكان الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للأعمال الإبداعية البشرية وتجنب استخدام الذكاء الاصطناعي لنسخ أو سرقة الأعمال البشرية".

الذكاء الاصطناعي محل البشر!

ويقول عبدالله بن جمعة البلوشي فنان ومُلحن موسيقى، إنه بعد البحث والتجربة مع برامج الموسيقى التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، اكتشف أنه يمكن تأليف الموسيقى بضغطة زر وسماع عمل فني متكامل بحسب الأوامر التي يعطيها للبرنامج خلال دقائق معدودة، مضيفا: "الأثر السلبي أنني كملحن ومؤلف موسيقي اعتمدت على البرنامج بدون أن أبذل أي جهد أو تفكير عميق في تأليف موسيقى جديدة، ومن المؤكد أن هذه العملية السريعة سوف تؤثر على المستوى الموسيقي الخاص بي، والسبب أنني اعتمدت على برنامج ذكاء اصطناعي وكأني أقوم بإعدام شعلة الإبداع الخاصة بي".

ويرى أن العقل البشري مختلف وفريد في الإبداع والإحساس موسيقيا، كما أنه في نفس الوقت لا يمنع اقتباس التأليف الموسيقي من البرامج مع إضافة لمسة إبداعية بشرية، مبينا: "لا ننسى أن هناك حالات استثناء إذا كانت مدة الموسيقى المطلوب تأليفها قصيرة جدا والوقت ضيق لتسليم العمل الفني، فمن الممكن أن يتم الاعتماد كليًا على الذكاء الاصطناعي مع بعض من لمسات المؤلف الموسيقية".

ويشير البلوشي إلى اعتماد بعض الموسيقيين والملحنين على برامج الذكاء الاصطناعي، لتحقيق معدلات كبيرة من الإنتاج دون تعب، كما أن هناك العديد من الأعمال الفنية التي صدرت لعدد من الفنانين عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي دون أي جهد يذكر من الفنان، لأنه سلم صوته لبرنامج ذكاء اصطناعي قادر على تأليف أغنية حزينة أو حماسية.

ويعتقد عبدالله البلوشي أنه لا يمكن الذكاء الاصطناعي أن يحل مكان البشر في الإبداع في مجال الموسيقى والتلحين،  قائلا: "في النهاية لا ننسى أنه هذه مجموعة خوارزميات وبرمجة وفي نفس الوقت لا زالت قيد التطوير وهناك الكثيرون سيستفيدون من هذه التقنية الذكية خاصة المبتدئين في المجال الموسيقى، وبرامج الذكاء الاصطناعي في مجال الموسيقى لا تختلف عن تقنية الروبوتات والسيارات والطائرات ذاتية القيادة؛ أي أننا نستطيع الاعتماد على هذه التقنية في أمور بسيطة بمعنى أنه سيقل دورنا البشري ولكنني أرى أنه لا غنى عن العقل البشري مهما تطور الذكاء الاصطناعي ".

من جانبها، وتذكر عائشة بنت عبدالله السريحية رئيسة مجلس نون النسوة الثقافي، أن الذكاء الاصطناعي صُمم ليخدم الإنسان لكنه لن يحل محله، فهو قادر على تسهيل الأمور التقنية بشكل يختصر الجهد والوقت، ويستخدم المنطق والاستدلال والمحاكاة والتقليد والاستنباط، مضيفة: "الذكاء الاصطناعي قدراته محدودة لغاية الآن، وينقصه التكيف الوجداني والجانب الإبداعي الخلاّق، إلا أن  تسارع الوتيرة في الخوادم العملاقة والتقنيات المُبتكرة قد تحدث من العمل التقني المعتمد على الخوارزميات وكفاءة الآلة والكم الهائل من المعلومات مفتوحة المصدر المربوطة بشبكة الإنترنت والتغذية المعلوماتية المدخلة، تطورا لم تشهد له البشرية مثيلا".

وتبين: "حتى اليوم نجد الإبداع البشري لن تحاكيه الآلة، لأن الإنسان المُبدع في التأليف والإنتاج الفني والتقني يعتمد على الإبداع الذاتي المبتكر، بينما الذكاء الاصطناعي يقوم بالمحاكاة وجمع البيانات من خلال ارتباط الكلمات ومعانيها ومدلولاتها الضمنية، والذكاء الاصطناعي قد يساعد ويحل محل الذكاء البشري وفق المعطيات الممنوحة له فقط وبالتالي قد يحدث تغييرا جذريا ربما يخدم البشرية في جوانب كثيرة،  لكنه أيضاً قد يسيء لها في جوانب أكثر".

وتقول عزة بنت حمود القصابية، كاتبة وناقدة، أن الكتابة في المجالات الإبداعة تحتاج إلى لغة الأحاسيس والمشاعر والتعبير الإنساني، وأن هذا الأمر لا يمكن إيجاده في الذكاء الاصطناعي؛ لأنه عبارة عن خورازميات وبرمجة وبيانات، موضحة: "الإنسان الذي أبدع صنعه الله سبحانه وتعالى، قادر على الإبداع المستمر ولا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل هذا الإبداع الإنساني".

تعليق عبر الفيس بوك