لو كنتُ مسؤولًا (8)

 

(جاءنا البيان التالي)

د. خالد بن حمد الغيلاني

Khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

الحديث في مقال هذا الأسبوع ذو شجون، ويهتم به قطاع واسع من الشباب، وموضوعه حديث الساحة الرياضية، التي هي في الواقع مُتسارعة الأحداث، مُتعددة القضايا، وهذا طبيعي جدًا، في ظل الرغبة والطموح من ناحية، والواقع الفعلي من ناحية أخرى.

ورغم أنني كنت عاهدتُ نفسي ألا أكتب في قضايا هذا المجال، إلّا أنَّ الشغف بالرياضة وبهذا القطاع، والمحبة له، يدفعني إلى العود من جديد، ولعله عود عارض لمقتضى الحال، ولربما دائم لأنَّ الرياضة وشؤونها شأن اجتماعي يتطلب الأمر سبر قضاياه بين فينة وأخرى.

ظهرت في الآونة الأخيرة بيانات تصدرها مجالس إدارات الأندية؛ يلوح البعض فيها بتجميد فريق كرة القدم الأول، وبالتالي عدم المشاركة في المسابقات المُرتبطة بذلك الفريق، والبعض قد حسم أمره وجمّد المشاركة، والبعض منذ سنوات وهو على حاله، والكل يتهم الوضع المادي، والموارد المالية بأنها السبب في ذلك.

بالعودة إلى قانون الهيئات الخاصة العاملة في المجال الرياضي؛ فإنَّ الأندية عبارة عن: "هيئة ذات نفع عام لا تستهدف الكسب المادي ويكون غرضها نشر وممارسة الأنشطة الرياضية المختلفة التي تدخل في أغراضها المحددة في نظامها الأساسي، في إطار السياسة العامة للدولة والتخطيط الذي تضعه الوزارة".

كما حدد النظام الأساسي للأندية العمانية، أهداف إنشاء هذه الأندية، وتأتي في ذات الإطار الذي حده القانون، والمتمثل في نشر الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية، وشغل أوقات فراغ الشباب، وتفعيل الجوانب المتعلقة بممارسة الشباب للأنشطة المختلفة.

ومن خلال هذا، يتضح للجميع دور الأندية والهدف منها، وفلسفة تعامل الوزارة المعنية مع الأندية، ورعايتها، وتقديم الدعم المناسب لها، وجاء تعميم ضبط الصرف والحوكمة الصادر من وزارة الثقافة والرياضة والشباب ليؤكد على ضوابط الصرف وأهمية الموازنة بين الإيرادات والمصروفات.

وبحسب ما طالعته من تصريح لأحد المسؤولين المختصين فإنَّ التعميم يهدف إلى "تأسيس نظام فعّال للحوكمة واستدامتها إداريًا وماليًا وفنيًا  بما يضمن تعزيز قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها وتعهّداتها المالية. كما يهدف التعميم إلى ترشيد الإنفاق من الدّعم الحكومي المُباشر وغير المُباشر  للأندية الرياضية من خلال إعادة ترتيب الأولويات وتوجيه الموارد المالية المتاحة نحو تنفيذ البرامج والأنشطة الثقافية والرياضية والشبابية ذات الأولوية".

وجاء في التعميم فيما يتعلق باستقدام الأجهزة الفنية واللاعبين الأجانب لعلاج العديد من الإشكالات التي ترد للوزارة من جراء التعاقدات والمطالبات المالية وعدم تسويتها، ضرورة أخذ موافقة الوزارة قبل إعطاء أي موافقة لطلبات الاستقدام مع ضرورة إرفاق كشف بالأجهزة الفنية واللاعبين والموظفين والعمال الراغبة الأندية في التعاقد معهم وتاريخ تقديم الطلب الجديد وعدم وجود التزامات مالية لهم.

كما ألزم التعميم مجالس الإدارات بسداد ما عليهم من ديون قبل انقضاء فترة عمل المجلس، وعدم ترحيلها للمجلس القادم، والوزارة عندما أصدرت هذا التعميم فإن إصداره جاء من خلال؛ مسؤوليتها القانونية واختصاصها، ومن خلال الزيادة المطردة في المديونيات، وكثرة المطالبات من داخل السلطنة وخارجها، وتركز هذه المطالبات بنسب كبيرة جدا في برامج مشاركات الفريق الأول لكرة القدم في النادي، والوزارة محقة في ذلك، لأن دعمها للأندية وإشهارها لها يتسق تماما في فلسفة الدور الوطني لهذه الأندية.

ولا بُد أن نعلم أن علاقة الأندية بالاتحادات الرياضية علاقة مختلفة تماماً عن علاقتها بالوزارة؛ فالعلاقة بالوزارة علاقة تبعية حددها القانون وهي ملزمة، ووضحها النظام، فالوزارة صاحبة الحق في الإشراف على الأندية وحوكمة عملها.

أما العلاقة مع الاتحادات فهي علاقة تشاركية تأتي حسب رغبة النادي ممثلاً في مجلس إدارته للمشاركة في برامج ومسابقات ذلك الاتحاد، وهنا النادي صاحب قراره ومخيّر في الانضمام لاتحاد دون غيره، حسب فلسفة العمل لديه، واهتمامات أعضائه، وقدراته المادية.

وحينما يسعى الكثير من الأندية لوقف نشاط كرة القدم خاصة الفريق الأول، فهم يمارسون حقاً أصيلاً لهم، كما للاتحاد المعني حقه في تحديد آثار المشاركة وعدمها وفقاً للوائحه وأنظمته.

بعد هذا السرد الذي كان لا بد منه لتوضيح بعض الأسس والقواعد.. يأتي السؤال لماذا هذه البيانات، والسعي للوقوف ولو مؤقتا عن الاستمرار في مسابقات كرة القدم على وجه الخصوص؟

في اعتقادي الشخصي، ارتكبت الأندية خطأً جسيمًا حينما أقرت نظامًا احترافيًا لا توجد أي قاعدة صلبة يستند عليها، ورغم رقي الهدف والرغبة والطموح لنلحق بركب الأندية في عديد من الاتحادات في تطبيق هذه الاحتراف، لكن لا أساسَ متينًا نستند عليه، فلا نصوص القانون تتيح لنا ذلك، ولا معدلات الدخل، ولا الاستثمار، ولا البنية التحتية، ولا مستويات العمل الإداري والفني والتنظيمي، ليتنا تريثنا حينها، وليت الحماس لم يأخذ منّا مبلغه، ورغم الجهد المبذول لا زلنا عند أول السطر، ولا زلنا لا نستطيع المشاركة في المسابقة الأعلى.

لم نجنِ من ذلك سوى ارتفاع معدلات الدين إلى مستويات عالية جدًا تتطلب مُعجزة لحلها، وبالتالي ظهور نادٍ مُعين في مسابقات موسم وغيابه عن المنصات في موسم آخر أمر طبيعي، في ظل التكلفة العالية للصرف مُقارنة بالعائد من المشاركة وجوائز المسابقة.

وحتى لا يكون حديثي لطرح المشكلة دون حل لها، فإني أرى- والأمر لأهله- أن الوزارة أحسنت صُنعًا بتعميم الحوكمة، وعليها المضي فيه بقوة وثبات، مع أهمية إعداد خطة واضحة لسداد ما سبق من مديونية متراكمة عبر إدارات متعددة، وتشرف الوزارة عبر إداراتها في المحافظات لحلحلة هذا الأمر وسداده من خلال خطة لا تتجاوز خمس سنوات بحسب ما تراكم على الأندية كل بحسب وضعه.

من حق أي نادٍ أن يرى الحل الحالي في إيقاف نشاطه في مسابقة بعينها؛ مع ضرورة الأخذ في الحسبان تحديد مدة الإيقاف، وعوامل النجاح التي يعمل عليها، وخطط العودة، وآليات المحافظة على حق أبنائه في ممارسة الأنشطة.

من المهم أن يعمل اتحاد كرة القدم على إعادة النظر في الممارسة الحالية لدوري المحترفين (إن صحت هذه التسمية)، ولا بأس بتأجيل التطبيق فترة زمنية معينة، لعلاج كل الإشكالات، وتأهيل القاعدة التي نقف عليها، لتكون أكثر صلابة ومتانة، وإعداد خطط التسويق، والرعاية التي تصنع لنا علامة ذات جودة، ومنتجا حاضرا بقوة، ومثله بقية الاتحادات، فالواجب يقتضي ذلك.

في الختام ليس عيبًا أن نقع في الخطأ؛ لكن أن نستمر فيه، فهذا الأمر الذي لا مجال لقبوله، وتبقى الرياضة صناعة إن أعطيناها أعطتنا، وعلى الجميع القيام بدوره، ولتكن عُمان أمامنا دومًا قبل التفكير أو السعي لأي عمل لا يكون معدا بالشكل المطلوب، نحن كل من كل وجزء من كل بهذا نحقق المطلوب.