علي بن موسى الرضا

 

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

الشخصية الإسلامية القوية هي الشخصية المُستقلة التي تستطيع التأثير المباشر على المجتمع، والقادرة على التغيير الدائم والمستمر نحو حياة أفضل وأجمل وأكمل لكل الشعوب، ومن أهم صفاتها أن تكون مستقلة، لا تذوب في غيرها ولا تتبع أحدًا إلا الله ورسوله وخلفائه الراشدين في الأرض.

هذا هو الدور الرسالي العظيم الذي عبَّر عنه القرآن الكريم بالشهادة والوسطية التي تجمع الجميع، ولا تؤمن بتمزيق الأمة، مؤمنة بالوحدة الإسلامية التي تجعل الجميع تحت راية الإسلام المحمدي الأصيل متحابين متآزرين قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (سورة البقرة: آية 143).

إن المتأمل في التأريخ الإسلامي، وما ورد فيه من شخصيات قيادية عرفت بتقواها لله تعالى وشجاعتها وإيمانها وحنكتها السياسية والاجتماعية، يجد أن من أهم وأبرز الشخصيات التي أشير إليها بالبنان، وركز عليها التأريخ الإسلامي لما تملكه من حب للجميع، هي شخصية الإمام علي بن موسى الرضا، الذي كان يتمتع بمكانة عظيمة ومرموقة بين الناس.

فمن هو الإمام علي بن موسى الرضا؟

الإمام علي بن موسى الرضا، هو علي بن موسى بن جعفر، أحد أحفاد النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ومن ذريته، تولى مقاليد الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه الإمام موسى الكاظم واستمرت إمامته وقيادته حوالي 20 عامًا، وقد اشتهر بألقاب كثيرة والتي منها الصابر، والرضيّ، والوفيّ، والفاضل، وغريب الغرباء، وكان من أشهرها الرضا. أما عن كنيته فعرف رضوان الله عليه بـ"أبي الحسن"، وقد وُلِد في المدينة المنورة عام 148هـ [766- 767م]، واستشهد مسمومًا غريبًا بسم دُسَّ إليه في طعامه من قبل الخليفة المأمون العباسي آنذاك، في مدينة طوس الإيرانية سنة 203هـ والمعروفة حاليًا بمدينة مشهد، والتي دفن فيها، ولا يزال المكان الذي دفن فيه يعد تحفة فنية ومعلمًا ومزارًا دينيا يقصده ملايين البشر من كل بلاد العالم وأصقاعه، يستفيدون من عبق التأريخ المسجل في المتحف الرضوي هناك، والمكتبة العلمية الضخمة التي تحوي ملايين الكتب والمخطوطات التراثية بكل لغات العالم، وكثرة تواجد المنابر العلمية المنتشرة والتي من خلالها يستعرض المفكرون شتى العلوم والدراسات الفكرية والعلمية، والتي بها يتم التركيز على الوعي الفكري والقيمي والإنساني، والتعريف بالأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية والإسلامية، كما إن مرقده الشريف له من الموقوفات التي لها الدور الكبير في رعاية العديد من المؤسسات التعليمية والاقتصادية والطبية وغيرها مما لها من دور في إنماء المجتمع ورعايته.

أما عن علمه وورعه وتقواه لله تعالى، فقد كان أعلم أهل زمانه فضلًا وعلمًا، وأكتفي هنا بما قاله الخليفة المأمون في حقه، فقد اعترف مرارًا وتكرارًا وفي مناسبات كثيرة بأن علي بن موسى الرضا كان أعلم أهل الأرض وأعبدهم في زمانه.

وقال في تصريح للعباسيين واضح وجلي عندما- اجتمع بهم وكان عددهم آنذاك أكثر من 33 ألفًا: "إنّه نظر في ولد العبّاس، وولد علي رضي الله عنهم، فلم يجد أحدًا أفضل، ولا أورع، ولا أدين، ولا أصلح، ولا أحقّ بهذا الأمر من علي بن موسى الرضا".

وكما إنه كان عالما فاضلا، كان متمسكا بالقيم والمبادئ الإسلامية السمحة والأخلاق المحمدية المباركة، كان متواضعا مع أبسط الناس، ومن تواضعه واحترامه للناس، كان يزور المناطق التي يسكنها الفقراء والبسطاء من الرعية ويشرف بنفسه على مشاكلهم واحتياجاتهم الأسرية والاجتماعية. ومع أن منزلته الاجتماعية كانت مرموقة جدًا إلا أنه كان يعيش خادمًا بين يدي الناس. یقول أبو هاشم الجعفري: "کنت ذات يوم زائرا لعلي بن موسى الرضا، وقد کنت عطشان من شدة حرارة الجو، ولكن هیبته ومكانته الاجتماعية منعتني من أن أطلب منه شرب الماء، ولكنه فجأة أحضر إبریق الماء، وقال: "هذا ماء بارد خذ اشرب لیذهب عطشك يا أبا هشام".

كان الإمام علي بن موسى الرضا مهتمًا اهتمامًا بالغًا بتقديم الدروس والعبر الأخلاقية التي استفادها من فكر جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، واستقاها من عمق الإسلام الأصيل؛ بل ورسخها في داخل الأمة العربية والإسلامية، الدروس التي ينبغي على الجميع الحفاظ عليها وتطبيقها وتفعيلها في الداخل الأسري والاجتماعي لينعم الجميع بالراحة والاستقرار والازدهار والنجاح.

فحريٌ بالقارئ الكريم أن يطَّلع على سيرة هذه الشخصية المباركة التي كتب عنها التأريخ الإسلامي، إضافة إلى الآثار المرتبطة بها.