صياغة الجواهر الاجتماعية الحديثة

لينا الموسوي

 

أهم ما كانت تتميز به المجتمعات العربية الإسلامية، هو النسيج الاجتماعي المترابط الذي كان يشعر الإنسان بالأمان والطمأنينة ويضيف على حياته روح التعاون والإيثار والقوة واحترام الخبرات والأخذ بها، كما شبهتها بالجواهر القيمة الثمينة، التي بعد استخراجها وصقلها تزداد جمالا ولمعانا، أو كالنسيج الجميل كما كان عليه النسيج الاجتماعي الذي كانت تتزين به الأسر العربية الإسلامية.

كانت تتميز مقتنيات أمهاتنا القديمة بثقل أوزانها، ودقة عملها، وجودة نوعيتها، قياسًا لما نراه الآن من قشور خارجية خفيفة، تحمل أشكال جميلة بجودة ضعيفة لتباع بأثمان غالية.

هذا ما حدث في السنوات الأخيرة بعد سيطرة التكنولوجيا الحديثة بفكرها ومفاهيمها على الأجيال الجديدة في مجتمعاتنا العربية الإسلامية أو الشرقية التي كانت تمتاز بالنسيج الاجتماعي المتماسك الذي يتسلسل على شكل عائلات وعشائر وقبائل، والذي كان يظهر واضحاً في أحياء ودروب المدن الإسلامية وبناء أسرها المتين. لكن مع مرور الوقت ودخول الأجهزة الإلكترونية إلى المجتمعات باسم التكنولوجيا الحديثة وانشغال أفراد الأسرة والتأثيرات العالمية الخارجية القوية التي أخذت دور تربية الأسرة والعشيرة والمجتمع، وتحت ظل الحروب الكثيرة التي حصلت في دولنا العربية، تحول مجتمعنا في اللاشعور تدريجيا من نظام عشائري أو عائلي ونسيج اجتماعي قوي إلى نظام فردي غير محسوس ليتحول بدوره إلى قشور خارجية تسمى في الظاهر بنسيج الأسرة وفي دواخلها نظام فردي عالي كما هو في الغرب.

هذا ما أدركته لاحقًا بعد قضاء 30 عامًا في الغرب، في مجتمع وثقافة مختلفة ومعاكسة تمامًا للثقافة العربية، هذا لا يعني أنها سيئة، بالعكس لا بُد أن لكل ثقافة محاسنها ومساوئها، إيجابياتها وسلبياتها، لكن ثقافة الغرب مضادة تمامًا للثقافة العربية والنظام الأسري فيها؛ حيث إن الغرب يعتبر النظام الفردي والتباعد الأسري والتركيز على الدوائر المدنية هو أساس تركيبة نظام الدولة والمجتمع ويعتبر في تكوينه وتنظيمه متناسب مع أفكاره وأنظمة دوله فيتم الاعتماد على الدوائر المدنية ودوائر الدولة بدل العشيرة أو الأسرة.

أما المجتمع العربي فحسب قناعتي وما يحدث فيه والوضع الحالي للجيل الصاعد يأخذ طابعًا غير مفهوم، وينطوي على خلط واضح وقلة معرفة لقيمة المجوهرات الحقيقية التي تمتلكها أمهاتنا، وذلك لعدم إدراك الأجيال الجديدة بما لديها من جواهر وتمسكها بقشور وماديات تذهب مع تغير الزمن والتطور التكنولوجي الجديد.

لذلك في رأيي علينا أن نمسك العصا من الوسط؛ فنعيد ترتيب أنظمة حياتنا وأفكارنا التي نحملها وعقائدنا بصورة معتمدة على الانفتاح الفكري المدروس بما يتناسب مع الحركة التكنولوجية الجديدة ومؤثراتها القوية جدا على المجتمع مراعين اختلاف طبقاته الفكرية والعلمية ومحاولين الاحتفاظ بالمحتوى الحقيقي للنسيج الأسري والتغاضي عن الأمور الأقل أهمية والتي قد لا تتناسب مع جيل الحاضر.

هنا حسب تجربتي في الغرب تقع المسؤولية الكبرى على جيل الآباء الذين عاصروا النسيج المترابط والجيل الحديث، ليتحرروا بأفكارهم بطريقة تحافظ على جواهر الماضي وتقنية وتطور وحرية فكر الجيل القادم ومحاولة غرس حقيقي وليس قشريا لقيمة هذه الجواهر بأسلوب حديث مدروس غير تقليدي وإعادة تأهيل أنفسهم وتزودها بالتقنيات والمفاهيم الحديثة واستيعابها لتقوية العلاقة مع الجيل الجديد وتمكينه من اقتنائها والاستفادة منها بدلاً عن رميها ووضعها على الأرفف قبل فوات الأوان وتتابع تسلسل الأجيال وفقد الصفات الجميلة واحدة تلو الأخرى.

لنحاول إعادة ربط الخيوط وصياغة الجواهر العربية الجميلة بطريقة متفتحة ذكية تتناسب مع الجيل الجميل وإعطاء مجتمعنا العربي قيمته الجوهرية العميقة كما يستحق دائمًا.

** مهندسة معمارية

تعليق عبر الفيس بوك