ويبقى الفاشل وحيدًا

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

تربينا على أن الفشل لا يليق بنا، ومن العيب الوقوع فيه، فنحن دائما الأفضل في كل شيء، نضجنا ونحن نرى في كل محاولة فاشلة حفرة كبيرة وقعنا فيها، وأن من يفشل مرة سيفشل كلّ مرة، تربينا على ان النجاح فرض وواجب و ذات معايير محددة تنطبق على الكل، والبشر ليسوا مختلفين في المهارات والقدرات، لذلك يجب ان نصل إلى النجاح بنفس المعايير التي زرعت فينا.

يُقال إن من مساوئ الفشل هروب الأفكار وشلل العقل ،فيتوقف الإنسان عن التفكير ويظل عاجزا ينتظر ان تمطر السماء حلولا تنتشله من الضياع. لكن غالبا ما يترك الفاشل وحيدا يعاني من نتائج المحاولة الفاشلة.

تجربة الفشل هي تجربة حياتية نعيشها يوميا على كافة الأصعدة فلسنا منزهين منه، يكثر الحديث عن النجاح أما الفشل، فإن الحديث عنه حديث ذون شجون وعادة ما يتجنب الناس التطرق إلى تجاربهم الفاشلة. لأن النهايات السعيدة هي التي تحظى بالدراسة والتمحيص والإحتفاء.

 فنحن كمجتمعات نرى الفاشل نكرة أو ضميرا يجب ان يكون مستترا ومتواريا عن الأنظار في ثقافتنا العربية يعد الفشل النهاية لا بداية بعدها، فالفاشل لا يمكن ان يحقق النجاح، لأنه فشل في المرة الأولى ويظل الفشل وصمة عار تلاحقه أينما ذهب فلا تقوم له قائمة بعد ان تجرع مرارة الخذلان.

يرى البعض الفشل كخطيئة، واحيانا تعد خطيئة كبرى يعاقب عليها الفاشل، فإذا فشل الطفل في المرة الأولى يعاقب على فشله حتى يكاد ان يخشى المحاولة تجنبا لويلات العقاب.واذا فشل احدهم في حياته الزوجية فمئات النظرات والإتهامات قد يواجها كل يوم على إعتبار انه فشل في ادارة المؤسسة الزوجية والتكيف معها، اما في العمل فإن الفشل أو كبوة مثابر تعني ان تحرم من المكافأة والترقية أو قد تنقل لمكان آخر لا ترى بالعين.

ولا نتوقف عند هذ الحد بل نتجاوزه بمراحل عندما نتجاهل الفشل ونعيد قراءة الواقع ويصنف على انه نجاح منفرد، وان كانت الأرقام تقول كلاما غير ذلك. على سبيل المثال، تتخذ بعض المؤسسات من الجوائز واخبار العلاقات العامة كوسائل لتسويق نجاح وهمي مغاير لواقع تراجع المؤسسة وهروبا من مواجهة الحقيقة أن هناك مشكلة يجب حلها؟. فكم مرة اعترفت مؤسسة عربية بإخفاق؟!

وكم مرة اعترف مسؤول أنه فشل في بلوغ الأهداف؟!

فغالبية القصص التي يتم تداولها في المجتمع تكون عن النجاحات ولا شيء غير النجاح.

إن عدم الإعتراف بالفشل مشكلة، لأننا بدلا ان نبحث عن حلول لمشكلاتنا نعلق مشكلاتنا على شماعة الآخرين ولا نتحمل مسؤولية أفعالنا.

يقول جون ماكسويل في كتابه "الفشل البنّاء": "إننا لم نتعلم في المدارس كيف نواجه الفشل ونخرج من العثرات المتكررة"؛ فالمدرسة علمتنا كيف ننجح فقط،فنواجه الفشل بخيبات أمل وخوف وتردد في المحاولة.إن ادارة الفشل علم يدرس للتعامل مع الأزمات المختلفة والخروج منها بحلول اخرى،فالفشل غير المتعمد لا يعيبنا فلا نجاح بدون المحاولة والفشل يعني أن تلك المحاولة لا تتناسب مع اهدافنا وعلينا سلوك طريقا آخر لبلوغ الأهداف.

من أسس النهصة العلمية والتطور الإقتصادي إتباع منهجية التجربة والمحاولة واخضاع كل شيء للدراسة والتمحيص، فالفشل وفق منظورهم محاولة لم تحقق الاهداف ويجب دراسة أسباب فشل المحاولة. تقول الدراسات ان البشر يميلون إلى تحاشي الحديث عن تجاربهم الفاشلة واطلقوا على الحالة بمصطلح تأثير النعام، بمعنى أن الإنسان بضع راسه في الرمال عند شروعه للقيام بعمل ما ولا يراقب خطواته وبالتالي يمضي في المسار حتى وان كان غير الصحيح، مع العلم أن التجارب الفاشلة بيئة خصبة للتعلم وتدارك المشكلات قبل وقوعها.

وبشكل مُغاير تمامًا نرى إن النجاح دائم وأبدي؛ فالناجح من المرة الأولى يتمسك باللقب وأن لحق النجاح عثرات، فغالبا ما يسعى إلى إخفاء الإخفاقات كي لا يفقد اللقب. لذلك نرى الناجح في مجتمعاتنا يدور في فلك النجاح الأول ولا يتطور ولا يقدم شيئا جديدا ويرفض النقد والتقييم ولا يقبل غير التصفيق،كالإسطوانة المنزوعة تكرر ذاتها.لأنه يدرك تماما ما يعني ان توصم بالفشل.

الفشل ليس عدوًا كما يعتقد البعض، وليس موقفًا يمكن تجنبه، ولا يتعلق الفشل بما تملكه من ثروة أو تعليم أو مهارة أو أخلاق؛ فالفشل عملية وليس مجرد إخفاق، وطالما نحن نتنفس فإن عثرة واحدة لا تعني نهاية الطريق، فهناك طوق نجاة يطفو على السطح عند حدوث الفشل.

لا تسير حياتنا كما نريد وهذا لا يعني أن نستسلم ونتوقف عن مطاردة أحلامنا؛ فأصحاب الشخصيات الناجحة تجرعوا مرارة الفشل مرارًا وتكرارًا، ولم يتوقفوا عن المحاولة حتى أدركوا النجاح.. ولذا من الضروري دراسة التجارب الفاشلة كما ندرس التجارب الناجحة، فهي تستحق أن نأخذ منها العبر، بدلًا من أن نُكرر نفس الأخطاء؛ لأننا اعتبرنا الفشل وصمة عار لا تستحق الدراسة!!