عُمان وإيران.. السلام أولًا

◄ الزيارة ترتكز على علاقات الصداقة المُثمرة ومبدأ حُسن الجوار

◄ الدبلوماسية العُمانية تستهدف إرساء الاستقرار ودعم التقارب والتعاون بين الدول

◄ عُمان وإيران قادرتان على تطوير علاقات تخدم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم

حاتم الطائي

تنطلقُ يوم الأحد في العاصمة الإيرانية طهران، قمةٌ عُمانيةٌ إيرانيةٌ، تجمع حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- بفخامة الرئيس الدكتور إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في إطار علاقات الصداقة المُثمرة بين البلدين، وترجمة لمبدأ حُسن الجوار، وحرصًا من الطرفين على تعزيز التعاون والدفع به نحو آفاق أرحب.

الزيارةُ تنعقدُ بعد أسبوع من زيارة قام بها جلالة السُّلطان إلى مصر؛ حيث عقد مباحثات مع الرئيس المصري في القاهرة، تناولت مُجمل الأوضاع الإقليمية والدولية، وكذلك آفاق التعاون الثنائي. ولا شك أنَّ الزيارتين- اللتين يفصل بينهما نحو 7 أيام- تتشاركان في بعض الأهداف والغايات، فالأوضاع الإقليمية والتطورات على الساحة الدولية، مُدرجة على جدول الأعمال، إلى جانب المُناقشات حول ترسيخ السلام في المنطقة والدفع نحو علاقات إقليمية أكثر استقرارًا.

ويبدو لي أنَّ الحراك النَّشِط الذي تمارسه الدبلوماسية العُمانية المرتكزة على ثوابت وطنية لا انحراف عنها، لا ينفصل أبدًا عن هذه الزيارات السلطانية السامية إلى عدد من العواصم؛ إذ لا ننسى أنَّ النشاط الدبلوماسي على مدار عام مضى؛ سواء من خلال زيارات جلالته لعدد من العواصم الخليجية أو استقباله- أيَّده الله- لعدد من الرؤساء والقادة والزعماء خلال العام المنصرم، أثمر نجاحات إقليمية يُشار لها بالبنان. ولننظر مثلًا إلى نتائج الجهود العُمانية المُخلصة في إحلال السلام في اليمن، ومساعي تقريب وجهات النظر التي قادتها مسقط من أجل نزع فتيل الأزمة اليمنية، وإطفاء نيران المعارك المندلعة هناك، وكانت النتائج الطيبة حصيلة هذه الجهود، فأخيرًا اجتمع الفرقاء- برعاية عُمانية- وتبادلوا الزيارات مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية، وجهود إحلال السلام في اليمن الشقيق تمضي قدمًا، ونتوقع خلال الشهور القليلة المُقبلة توقيع اتفاق للسلام، وعودة الاستقرار لهذا البلد، الذي يجاورنا ويجاور المملكة العربية السعودية، وهو ما يعني أنَّ استقراره ورخاءه يصبان في صالح أمننا الحيوي واستقرارنا الجيوسياسي.

المُلاحِظ والمُراقِب للدبلوماسية العُمانية يُدرك حتمًا أنها لا تهدف لتحقيق أغراض خاصة؛ بل تضع المصالح الوطنية وتحقيق الاستقرار ونشر دعائم السلام، في مُقدمة أولوياتها، وهي النقاط التي تُعزز من مكانة الجهود العُمانية إقليميًا ودوليًا، وترفع من شأن وطننا وتؤكد دوره الرائد في دعم الرخاء الإقليمي. ولذلك نجد هذه الدبلوماسية تسعى دومًا للتقريب بين وجهات النَّظر، والتوسُّط بين الحكومات لإطلاق سراح بعض المُحتجزين على خلفية قضايا وأزمات، والجميع يجد في مسقط قِبلة للسلام، ووجهة موثوق بها، ودبلوماسية رصينة تتصرف بحكمة عالية، وتحسِب نتائج كل كلمة وخطوة وتحرك، وتولي حرصًا كبيرًا على البقاء في الجانب المُحايد، دون انحياز لطرف على حساب آخر.

وعندما نُشير إلى نهج الحياد الإيجابي، فإننا نتحدث بوضوح عن دبلوماسية وطن ترسخت على مدى عقود، على مبادئ الشرف والنزاهة، والإخلاص والصدق في القول والعمل، وتحمل الصِعاب والتحديات، لأنها لا ترى سوى هدف واحد ألا وهو: السلام والاستقرار.

وزيارة جلالة السلطان إلى إيران اليوم، ستحمل في طياتها العديد من الملفات، منها ما هو مرتبط بالعلاقات الثنائية، لا سيما الملف الاقتصادي والتعاون المشترك في العديد من المجالات، ومنها ما يرتبط بالشأن الإقليمي والدولي وذلك في إطار استمرار التشاور والتنسيق بين قيادتي البلدين "لبحث مختلف التطورات على الساحتين الإقليميّة والدوليّة، وتعزيز كل ما من شأنه الارتقاء بأوجه التّعاون القائمة بين البلدين في مختلف المجالات، وسُبل تطويرها بما يخدم مصالحهما وتطلعاتهما حاضرًا ومستقبلًا".

وإذا ما أردنا استعراض أهداف هذه الزيارة الرسمية، سنجدُ أنها تناقش أولًا: التعاون الثنائي في الجوانب الاقتصادية، خاصة وأن البلدين يُشرفان على أحد أهم الممرات الملاحية الدولية في العالم، وهو مضيق هُرمز، ولا شك أن آفاق التعاون البحري بينهما تتيح للجانبين الاستفادة من المقومات الهائلة التي يملكها كل طرف، وبصفة خاصة نُشير إلى أهمية التبادل التجاري، الذي وصل إلى 320.8 مليون ريال في العام الماضي، بنمو سنوي فقط 27.9%؛ إذ بلغت الصادرات العُمانية إلى إيران حوالي 207.4 مليون ريال عُماني، ومُعظم هذه الصادرات منتجات صناعية وآلات وأجهزة وزيوت محركات ومعدات كهربائية. وفي المقابل، وصلت الواردات الإيرانية إلى عُمان لقرابة 113.4 مليون ريال عُماني في 2022 بالمقارنة مع 98.7 مليون ريال عُماني في عام 2021؛ ومعظمها واردات حيوانية وزراعية. ورغم أن الميزان التجاري يصب في صالح سلطنة عُمان؛ حيث حققت فائضًا بنحو 94 مليون ريال عُماني، لكن أرى أن هذه الأرقام ما تزال خجولة وبحاجة إلى مزيد من النمو، من خلال تسهيل الإجراءات وتيسير عمليات التصدير والاستيراد.

أما في جوانب الاستثمار المتبادل، فهناك مئات الشركات الإيرانية التي تعمل في عُمان، سواء من خلال مساهمة إيرانية بنسبة 100% أو أي نسبة مساهمة أخرى، غير أن الشاهد هنا ضرورة تعظيم الاستفادة من المقومات التي يزخر بها البلدان، فكما إن عُمان تنعم بفرص استثمارية واعدة للغاية، وتسهيلات كبيرة في الإجراءات، فإن إيران أيضًا يمكن أن تُشكِّل سوقًا استثماريًا مُثمرًا، بفضل ما تملكه من تنوع في القطاعات الاقتصادية، وباعتبارها سوقًا استهلاكيًا كبيرًا يقترب عدد سكانه من 88 مليون نسمة، ما يعني النمو المستمر للطلب على العديد من السلع والخدمات، والتي يمكن للمستثمرين العُمانيين توفيرها.

جميع ما سبق يؤكد أن عُمان وإيران قادرتان على تطوير علاقات التعاون والذهاب بها إلى آفاق أرحب، على المستويين السياسي والاقتصادي، فنجاح الدبلوماسية العُمانية في أن تكون عنصرًا فاعلًا في الكثير من القضايا ذات الصلة بإيران، دليل على قدرة عُمان على إحداث اختراقات سياسية ودبلوماسية، ولا يجب أن نغفل أبدًا الدور العُماني خلال مفاوضات الملف النووي الإيراني التي انتهت بتوقيع اتفاق عام 2015، وكذلك الجهود العُمانية في حلحلة الملف اليمني الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا مع استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، وقد نشهد قريبًا أيضًا تطبيعًا للعلاقات بين مصر وإيران، على خلفية الجهود العُمانية لتقريب وجهات النظر فيما بينهما، والتقارب السعودي الإيراني الراهن.

وعلى المستوى الاقتصادي، فإننا نأمل الدفع بملفات الاستثمار وزيادة التبادلات التجارية، من خلال توقيع اتفاقيات شراكة ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية، تخدم مسيرة العلاقات بين البلدين، وتُبحر بها نحو مراسي النماء والرخاء والتقدم.

ويبقى القول.. إن عُمانَ حمامة السلام التي تُحلِّق في أجواءٍ مُلتهبةٍ وصراعاتٍ لا تنتهي، قادرةٌ على مواصلة الجهود من أجل رأب الصدع، وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين والأطراف المُتنازعة في الكثير من الملفات الساخنة في إقليمنا والعالم، كما إنَّ ما تزخر به من مقومات اقتصادية وجيواستراتيجية بفضل موقعها الحيوي ومزايا الاستثمار المتعددة، من شأنه أن يدفع بجهود التنويع الاقتصادي نحو مزيد من التطوُّر والتقدم.. لتظل عُمان رقمًا صعبًا في المعادلة الدولية، بحنكتها ودبلوماسيتها الرصينة والشفَّافة.