قمة عربية.. أم مشروع عربي جديد؟!

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

بعد أيام ستُعقد القمة العربية في المملكة العربية السعودية، وهي قمة مُهمة في توقيت مُهم. ومن الطبيعي التوقف عند مدلولاتها وما ستقدم في ظل التراكمات والتناقضات التي تتنافر وتنسجم بسلبياتها وإيجابياتها وبمسوغاتها ومبرراتها، مع وجود فارق وازن يتمثل في طغيان الجانب السلبي الذي تعززه النواحي المظلمة في المنظومة العربية وتركيبتها الداخلية وآليات تفكيرها والتي ما زالت بحاجة إلى فك طلاسمها وتشريحها من جديد.

ولا تنبع أهمية القمة العربية من ضرورتها التي تبقي على الحد الأدنى من الروابط، ولا لأنها أعادت سوريا أو عادت إليها، ولا لأهمية البلد المضيف بما يمثل في المحيط العربي والإقليمي والدولي؛ إذ إن كل هذه الحيثيات كانت متوفرة طيلة خمسة عقود أو يزيد وقد أفرزت اللوحة القائمة بكافة ألوانها، وأن بعض هذه الشروط املتهما توازنات وتوافقات إقليمية وهي مرهونة بها إلى حد كبير، وتعني في إحدى جوانبها عدم وجود ضامن وطني أو أخلاقي يحول دون زجها في أتون الصراعات العبثية مجددًا.

ليس في هذا استغراب؛ حيث الأداء العربي بالمجمل لم يعد مفهومًا بأي معنى من المعاني ولم يعد ينطلق من قيم عليا. وفي ذات السياق يعزو البعض جزءًا كبيرًا من أسباب الضعف والخلل إلى التوجهات القُطرية؛ باعتبارها الموجه الأول لكل الرؤى الماضية والراهنة دون ربطها ببعدها القومي الذي يعطيها ديمومتها واستمراريتها، وهي معضلة؛ بل نقيصة في الذهنية العربية الرسمية. والبعض الآخر يروج لهذا البُعد القُطري كخيار وحيد غير قابل للنقد والمراجعة رغم نتائجه المُرّة، دون تعليل مقنع. وقد أكدت التجربة الملموسة فشل مشروع الدولة القُطرية التي لم تعد قادرة على حماية ذاتها دون الارتهان للخارج، كل هذا لا يُقلل من هذه القمة ولا يعطيها قيمة مضاعفة؛ بل يُبقيها في حدود المألوف، وإنما قيمتها الحقيقية تكمن في استثنائية الظروف الموضوعية؛ سواءً على الصعيدين الداخلي أو الخارجي، وفي كل الأحوال مواتية لتأسيس مشروع عربي جديد؛ حيث عالم جديد بدأ يتشكل ويرسم ملامحه المقبلة؛ الأمر الذي يفرض نفسه على الجميع ويضعهم أمام أحد أمرين إما دخول التاريخ أو الخروج منه نهائيًا.

لقد دخلت الأمة العربية القرن الماضي مُنهكة القوى؛ حيث خرجت من رحم السيطرة العثمانية التي احتجزت تطورها باسم الدين وأبقتها في حالة من التخلف والجهل أربعة قرون متتالية ثم دخلت مباشرة وقبل التقاط الأنفاس تحت السيطرة الاستعمارية الانتدابية التي رسمت حدودها ونهبت ثرواتها وغرست في قلبها خنجر الصهيونية البغيضة. ولا شك أن من يتتبع القمم العربية خلال الفترة الماضية لا يجرؤ على التفاؤل، لكننا نعتقد أن حجز مساحة ما في ما تبقى من القرن الحالي واحتلال موقع استراتيجي في القرن القادم عملية ممكنة رغم الذي جرى. ويتطلب فيما يتطلب إعادة الاعتبار للقواسم المشتركة والاحتكام لثوابت الجغرافيا والتاريخ التي لا ترحل واحترام قوانينها ومواثيقها.  ورغم ما لحق هذا التوجه من أخطاء يبقى خيارا تمليه حقائق العصر واستحقاقاته، قد يستهجن البعض مثل هذا الكلام وهو بالطبع محق، دون أن يفوته التحولات الكبرى في التوجهات العربية التي تعكس التفاعلات العميقة في الواقع العربي والتي يمكن البناء عليها، وهي أشبه بمن لسعته النار واستفاق، وإذا أخذت مداها ستقود بالضرورة إلى تمرحل الأهداف القومية وتراكمها والبدء بالممكن والمتاح بما يُعطي لمشروع تكاملي أوسع عناصر البقاء.. ودونه تصبح حالة عدمية مقطوعة الجذور سواء بالمعنى الفكري والثقافي أو على بالمعنى العملي الاقتصادي والاجتماعي.

أن تنعقد هذه القمة والحرب العدوانية الإسرائيلية مستمرة، فهذا هو التحدي الأبرز أمامها، وقديمًا وحديثًا يُقاس نجاح القمم العربية وفشلها بحجم الاقتراب أو الابتعاد من فلسطين وقضية شعبها المكافح التي تتزامن هذه القمة مع انتفاضته الباسلة وإصراره العنيد على تمسكه بأرضه وحقوقه التاريخية في تحرير كامل ترابه الوطني من الاحتلال الغاصب.