لو كنت ُ مسؤولًا (6)

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

 khalid.algailni@gmail.com

@khaledAlgailani

بعد المقالات السابقة، يتواصل معي بعض الأصدقاء، والزملاء مرحبين بما يتم الحديث عنه، ومعززين لهذا النوع من المقالات ذات البعد المجتمعي من ناحية، والمؤسسي من ناحية أخرى، وبطبيعة الحال فإنَّ الكتابة في هذه الجوانب المتعلقة بالتنمية البشرية، وتعزيز القدرات، وبناء المهارات، والمواءمة الفعلية بين مهام أي وظيفة وأهدافها، وسبل تحقيقها؛ تبقى مهمة من أجل توحيد الجهود، والنهوض بمستوى العاملين في شتى المجالات، ذلك أن الحقيقة الماثلة هي أن تحقيق رؤية "عمان 2040" يتطلب وجود هذه القدرات، والكوادر البشرية المؤهلة على الحقيقة.

والمسؤول في مقال هذا الأسبوع مهتم بعنصر أساسي من عناصر الرؤية، ومرتكز رئيسي من مرتكزاتها، وهو الحوكمة؛ وهي كما وردت في الكثير من المراجع التي تحدثت عن هذا الأمر؛ أنظمة وقوانين تؤطر العلاقة بين أطراف المصلحة، وتحدد طبيعة العمل وحدوده وضوابطه.

هذا التحديد الذي يكفل للجميع حقوقهم من ناحية، ويساعدهم على القيام بالمهام الموكلة إليهم من ناحية أخرى، ولا يمكن قيام أي نظام أو مجتمع دون الاهتمام بهذه القوانين، ووضعها في إطارها الذي يتسق تماما مع الغاية منها، ويتفق كذلك مع الرؤية العامة، والتكامل المؤسسي، ومن ثم تكامل السلطات النافذة.

إن المتابع للتشريعات العمانية النافذة يستشعر أمرين مهمين؛ الأول الإرادة الثابتة والراسخة لدى القيادة السياسية في هذا الوطن الغالي، وهذا ما كان واضحًا من خلال خطابات جلالة السلطان السامية التي أولت الحوكمة، ودولة المؤسسات الاهتمام المستحق، والعناية الكريمة اللازمة. والثاني هذا الحراك الذي يدعو للفخر والاعتزاز فما ينفك مجلس عُمان مراجعًا مسودة قانون، حتى يأتيه مشروع لقانون آخر، ولعمري هي القواعد المتينة، والأسس الصلبة التي تقف عليها مؤسسات الدولة، ويتكئ عليها المخلصون المجتهدون من أبناء هذا الوطن العزيز.

ولعله من المهم القول؛ إن هذا الحراك في استحداث العديد من القوانين، وتعديل عدد آخر منها، يمضي بالحوكمة نحو مسارها الصحيح، ويؤطر لعلاقات تقوم على أسس قانونية واضحة، ويعالج الكثير من الملاحظات، ويعزز الممارسات الإيجابية التي من شأنها تحقيق الأهداف الوطنية المأمولة.

ومما يشد الانتباه، تعدد الآراء والمقترحات، وإضافة مواد في مشاريع القانون، وحذف أخرى، واستطلاع لرأي مؤسسة، واستيضاح مبهم، وقراءة في الواقع، واستشراف للمستقبل؛ كل هذا يشير بوضوح إلى المساحة الرائعة المتاحة للسلطة التشريعية، والتعاون والتكامل بينها وبين السلطة التنفيذية، والمشاركة الرائعة للمجتمع.

ومن ثم فإنَّ ما يصاحب هذه المشاريع من تحليلات ودراسات، وقراءات، لا محالة ينعكس إيجاباً على دراستها بدقة متناهية، وموضوعية واضحة، ومصلحة وطنية، ومراعاة لمقتضى الحال، وظروف أبناء المجتمع، وبعد ذلك يصدر القانون في إطار يمكّن بقوة لدولة المؤسسات، ويسير بنا نحو تحقيق الأهداف بخطى ثابتة واضحة.

إن للحوكمة أثرًا بالغًا في تحقيق الأهداف، وبلوغ الغايات، وبناء الخطط والبرامج؛ فمن خلالها تتحدد الأولويات، وتوزع المهام، وتسير التكليفات المختلفة بحسب طبيعة العمل، واختصاص المؤسسات، الأمر الذي يساعد على الاستفادة القصوى من الوقت، وتقليل الهدر والفاقد.

ويمكن للمؤسسة من خلال الحوكمة، الوقوف على عناصر القوة في مجالات العمل وتعزيزها، والتحديات ومواطن الضعف للتقليل من أثرها وعلاجها، كما إنها تعين المسؤول المهتم بها في معرفة قدرات عناصر العمل في مؤسسته، وبالتالي تحديد المواقع المناسبة، فكم من مؤسسة باء عملها بالفشل بسبب عدم تحديد المكان المناسب لمن يعمل فيها، فاختلط هذا بذلك عن غير معرفة ودراية، وتدخل هذا في عمل ذلك عن غير فهم وإدراك، ففشلت الخطط، وتعطلت المصالح، وتوقفت مستويات الإنتاج والنجاح المرجوة.

وللحوكمة دور مهم في القضاء على الفساد بشتى صوره وأشكاله، ذلك الفساد الذي يعتبر معطلا للبناء، ضاربا للتنمية في مقتل، مزعزعا للقدرات، مثبطا للعزائم، رافعا من لا يستحق، خافضا لذوي المعارف والقدرات، هذا الفساد الذي تتصدى له الحوكمة، فتكون سيفا بتارا في وجهه، وأداة ناجعة في القضاء عليه.

ومما يدعونا للشعور بالاطمئنان الجهود الواضحة من قبل ذوي الاختصاص في تفعيل الحوكمة واقعا ملموسا معاشا، ومنهجا ومسلكا، واضعين جميعًا نصب أعينهم التوجيهات السامية والأوامر النافذة والتعليمات الراسخة لمولانا السلطان المعظم الذي لا يقبل أنصاف الحلول في تطبيق الحوكمة، وأخذها لمكانها الحقيق بها في نهضة عُمانية متجددة متطورة.

لذا.. اعلَم أيها المسؤول أنك بالحوكمة تستحق مكانك ومكانتك، ومن خلالها فأنت جدير بالثقة، أهل للعمل، مثال للإخلاص، مدعاة للتطوير، مجلبة للخير، ومن خلالها تسجل اسمك بأحرف من نور، ومداد من عطاء، وفعل من محبة ورجاء، لوطن ترغب أن يكون بين مصاف الأوائل، بل هو الأول بينهم.

دمتم أكثر محبة لعُمان، وولاءً لمولانا السلطان، وعطاءً وبذلًا وخدمة لشعب وفي كريم.