خَسِر المرجفون.. وانتصر الحق!

 

حمد بن سالم العلوي

وللأحرار ثأرٌ وشهادةٌ، وتكريمٌ من الله ربِّ العزّة والجلال، لقد هزت المقاومة الفلسطينية ممثلة في كتائب "سرايا القدس" تل أبيب والقدس المحتلة، بصواريخها المباركة، وقال تعالى: {.. وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:17] وأُجبر الصهاينة على الهروب إلى الملاجئ، وذلك على مدى خمسة أيام متتالية، وهذا هو الطريق الصحيح لنيل الحرية والاستقلال، وليس بالبكاء على الأطلال، بانتظار النجدة من أمريكا والغرب، أبعد سبعة قرون من الظلم، لا زلنا مخدوعين في عدالة أمريكا والغرب، أليس الجيش الإسرائيلي، هو جيش لأمريكا والغرب؟!! فإذا رأوه سيُغلب هبُّوا لنجدته فورًا؟! ترى متى سيعرف العرب من هو عدوهم الحقيقي؟! ويكفون عن رجاء تحول النار بردًا وسلامًا إلاّ في مرة واحدة قد مضت!!

ولم تتوقف "سرايا القدس" عن دك حصون بني صهيون، حتى انتزعت منهم تعهدًا بعدم تكرار الغدر بالسكان الآمنين.. والقادة الميامين، فإذا هذا فعل جبهة الجهاد الإسلامي وحدها، كفصيل في المرتبة الثالثة بين فصائل المقاومة، ضد جيش يمثل أمريكا وأوروبا معًا، وذلك من حيث القوة وحداثة الأسلحة، فإن للأمر قراءة مختلفة جدًا، وتمثل واقع الحال بين من يحبون الحياة، ويهربون كالجرذان تحت الأرض طلبًا للسلامة من الموت، وأصحاب الإيمان الذين يصعدون فوق سطوح المنازل، وهم عزل من السلاح، ولكنهم يتسلحون بترديد كلمة: الله أكبر، وذلك برغم القصف المستمر من الجو بعشرات الطائرات الحربية الصهيونية، والمسيرات بدون طيار.

فعلًا.. إذا قيل إن الشعب الفلسطيني شعب قوّي الإيمان، قوّي الشكيمة مقْدام شجاع، وهذا الكلام عن الشجاعة والإقِدام، ليس من أمنياتي أو فورتي العاطفية تجاه أشقائي في فلسطين، وإنما بشهادة كاتب إسرائيلي في صحيفة "هآرتس" إذ يقول؛ الحقيقة عن الفلسطينيين، وبأنهم شعب من أفضل شعوب الأرض الذين هبُّوا للدفاع عن حقوقهم، بعد أكثر من سبعين عامًا من الاحتلال الخانق، وكأنهم رجل واحد.

إذن؛ هذه افتتاحية لصحيفة هآرتس الإسرائيلية (مترجمة إلى العربية) - وهذا من أندر ما ينضح به الضمير الحي، وأجمل ما تزهر به الحرية الفكرية؛ حيث يقول الكاتب: أثناء الحرب على غزة وإطلاق صواريخ حماس علينا، كانت خسارتنا كل ثلاثة أيام 912 مليون دولار من طلعات الطائرات، وثمن صواريخ الباتريوت والقبة الحديدية، وتزويد الآليات بالوقود، واستهلاك الذخيرة، ناهيك عن تعطل الحركة التجارية، وهبوط البورصة، وتوقف معظم المؤسسات وأعمال البناء، ونفوق الدواجن في المزارع بعشرات ملايين الدولارات، وتعطل بعض المطارات، وبعض خطوط القطارات، وثمن إطعام الهاربين إلى الملاجئ، ناهيك عن التدمير في البيوت، والمحال التجارية، والسيارات، والمصانع بفعل صواريخ المقاومة الفلسطينية"، وهذا لا يزال كلام نفس الكاتب.

ويقول "أنا كيهودي؛ أتحدّى أن تأتي دولة إسرائيل كلها بمثل هذا الإنتماء، وهذا التمسك والتجذر في الأرض، وذلك بعد أن أذقناهم ويلاتنا من قتل، وسجن، وحصار، وفصل في الأسوار، وأغرقناهم بالمخدرات، وغزونا أفكارهم بخزعبلات تبعدهم عن دينهم، كالتحرر والإلحاد والشك... لكن الغريب في الأمر، أن يكون أحدهم مدمن مخدرات، ولكنه يهبُّ دفاعًا عن أرضه وأقصاه، وكأنه شيخ ذو عمامة، وصوته يصدح بالله أكبر".

وإن جيوش دول بكامل عتادها لم تجرؤ على ما فعلته المقاومة الفلسطينية في أيام معدودات، فقد سقط القناع عن الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر، وأصبح يقتل ويخطف. فإذا كانت هذه شهادة كاتب إسرائيلي في صحيفة كصحيفة هآرتس، وتصدر داخل إسرائيل نفسها، ويقول الحقيقة بهذا الوضوح والتجرد، أليست هذه شهادة ذات قيمة عالية، تخذل أي متصهين من بعض العرب.

فقد يأتيك أحدهم فيقول؛ إن حركة الجهاد الإسلامي دخلت في هدنة بينها وإسرائيل، بعد ان خسرت حركة الجهاد 6 من كبار قاعدتها، وأكثر من 30 شهيدًا من المواطنين- وجزاه الله خيرًا أن تفضل عليهم بلقب شهيد- وخسائر مادية كبيرة، مقابل مقتل إسرائيلي واحد، وبعض الجرحى المصدومين.. يا سلام على الوطنية المباعة بقرشين.

فيقول: واضح جدًا أنّ إسرائيل حققت أهدافها، وفرضت على بقية المنظمات الفلسطينية، وخاصة حماس أن تقف موقف المتفرج، وترك حركة الجهاد الإسلامي تخوض المواجهة وحدها، والأمر الذي اضطرها أخيرًا لقبول الهدنة، وبالشروط الإسرائيلية! وهنا أقول لهذا المأجور خسئت وخبت، وإنما كان هناك تكتيك عسكري، تديره غرفة العمليات الفلسطينية الموحدة من غزة، فإذا التهديد يأتي من لبنان على لسان السيد حسن نصرالله بالقول: إننا نراقب ونقدم مساعدة محدودة، وإذا تطلب الأمر سنتدخل، أتتدخل المقاومة من لبنان، ولا تتدخل المقاومة من غزة؟!

والكثير من الإرجاف الذي قُصد منه التخذيل وإحباط المعنويات بالطبع، فليس غريبًا على من يفرطون في أوطانهم مقابل المال، أن يكفروا بكل شيء يمت بصلة للوطنية والدين، طالما المال هو سيّد الوضع في ذهنه، ولكن الله يخزي المنافقين، ولا يضيع أجر المحسنين.

لقد أثبت الشعب الفلسطيني معرفته طريق الصواب، وسوف لن يحيد عنه حتى يحقق النصر، وتحرير العِرض والأرض- بإذن لله- وإن معظم الشعوب العربية والإسلامية ستظل مناصرة لهم، وإن يوم النصر يقرره الأحرار، لا الخونة والمرجفون في الأرض، وإن العدو الصهيوني أصبح يدرك خطورة الأمر، فإذا مجموعة بحجم سرايا القدس، جعلته يعيش حياة ضنكة تحت الأرض، وفوق الأرض، فكيف بالأمر إذا اشتعلت كل الجبهات في وقت واحد، فإن يومذاك لن تنفعهم أمريكا وأوروبا، ولا حتى قنابلهم النووية، والتي ستحتاج إلى لجنة من الأمم المتحدة لتفكيكها، وتبطل مفعولها إلى الأبد، فعاشت فلسطين حرة أبيّة برجالها، وعاش الأحرار في كل مكان، وخسأ المرجفون والخونة، وذلوا إذلالًا مبينًا، والحمد لله رب العالمين، والنصر آتٍ لا شك فيه.