جُمعة "القمة العربية".. يوم عيد ووحدة

 

 

سالم بن محمد بن أحمد العبري

 

الذين يحملون أمانة الكتابة يشقيهم ما يُصيب الشعوب العربية من إحباطات وإخفاقات، بل أكثر ما يشقيهم ويبلع لسانهم شقاق الحكومات العربية وخصوماتهم، وإعطاء بعض القادة آذانهم للوصوليين والمتفرجين على صراعتنا، وخلافاتنا، وما تحدثه آلة النفاق في حياتنا، وقد كان جدي- رحمه الله- يُردد دائمًا على أسماعنا (ما أحلى الحرب للنظارة)، وقد مرت عليهم أيام لم يناموا بها.

نعم يفتح بعض القادة آذانهم ويعيرون أفهامهم لتلك الطائفة من الناس، فتظلم الدنيا، ويعرضون عن النصحاء وأصحاب الضمائر وذوي العقل والتفكير القائم على العلوم والفكر الاستراتيجي القويم، والمستقرئين والمستشرفين للمستقبل،  فنعود القهقرى فيرينا الله ألوانا من غضبه الذي أهلك به الأمم البائدة.

وهذا ما كان في السنوات السود العشر العجاف التي أسماها أعداء الأمة من الشعوب الأخرى بـ"الربيع العربي"؛ وهم ليسوا سوى أصحاب مصالح ذاتية ساهمت في نبذ الوحدة وإشاعة الفرقة ولعبوا دور "البسوس" حين صرخت داعية للحروب: "وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ // وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ"، "وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ // وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ""مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيْمَة ً// وَتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ".

هكذا قال زهير حكيم الأمة وشاعرها المفوّه، وهكذا كانت أمتنا فريقين: فريق هم البسوس وفريق هم نظارة الحرب فأشعلوا الوطن العربي حروبا من مشرقه إلى مغربه وفرقوا الأمة شيعا وأحزابا وقولوا الفقهاء والمفسرين والتاريخ بأقاويل لم يقلها مالك في الخمر ونبشوا القبور وأوقدوا نيران الفتن، وفرّقوا أبناء البيت الواحد؛ فريق في الجنة وفريق في السعير، وعبوا رؤوس القادة ومن يحمل أمانة المسؤولية بالأكاذيب وبالأقوال الشاذة لكُتَّاب الملل وشُذاذ النحل وسدوا عليهم نوافذ أنوار الفكر وأفسدوا هواء الحرية المسؤولة؛ فكان لهم ما أرادوا، فألبسوا الكبار حلل الصغار وحولوا الصبي المتعلم لألف الأبجدية إلى روح الله ونبي يوحى إليه، وصار خفاف العقول على أيديهم حكماء العرب، وهرع كُفَّار النعمة من حياة الأمان والعيش الواسع الرغيد، فكفروا بأنعم الله، وقالوا مقالة قارون: "إِنَّمَا أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِىٓ" فاعتلى السفيه وتزين البغض للحقير حتى آتى أمر الله، فأطل الفجر الصادق، فملأ الدنيا نورًا ساطعًا وانقشعت الظلمة، وأزيح الأستار فقام الكبار من الأمة وللأمة، وقالوا: كفى هذا ليس ملبسنا ولا يليق بقادة تعلو أعلامهم كلمة "لا إله الله محمد رسول الله".

 

فانبثق نور الوحدة ولمّ الشمل من الجزائر العربية ولبّت القاهرة وعُمان، والرياض والعراق، وعادت شمس العروبة تنشر شعاعها وتبدد ظلمة جاهلية العصر الحديث، وعادت مؤتمرات القمة العربية لتنعقد من جديد واحدا بعد الآخر.

لتؤكدوا للعالم أنكم "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"،"وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا".

أيها الناعقون: أما ما كنتم تقولون إننا قد تفرقنا وذهبت ريحنا نحن اليوم نؤكد لكم: أننا نتحلّق حول كتاب واحد، وهو سِرّ وحدتنا، نتبع "قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ".

نعم اليوم تتزين المملكة العربية بزينة أولي الفضل والزعامة والقيادة والريادة وهي تمثل أمة إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، صلوات الله عليهم وسلامه، نعم لكم الشكر والتقدير والاحترام والامتنان، وهكذا أراد مؤسسو دولتكم المحترمة ورافعو لواء سماكها؛ هذا ما أرادوه وما نريده منكم ولا نريد جزاءً ولاشكورًا.

طبتم وطاب اللقاء، وتجلت بكم الصورة الجماعية للأمة وأنتم تتربعون على موقع القيادة، لذلك "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

تعليق عبر الفيس بوك