جابر حسين العماني
جدتي الغالية.. سلام على روحك الطاهرة التي عاشت بيننا تغمرنا بالحب وتؤصل فينا الاحترام والتقدير والإجلال لبعضنا البعض، رحيلك عنَّا جعلنا نشعر باليتم والحزن وشديد الأسف والأسى.. رحلت أيتها الغالية، فغابت نوادرك الجميلة وحكمك الجليلة التي كنَّا نستلهم منها الدروس والعِبَر والحكمة والحنكة والدراية والخير الكثير، فما أجملها من أيامٍ رائعة كنَّا نعيش فيها بقربك أيتها الأصيلة.
أتذكرين حينما سألتك ذات يوم عن تجربتك الأسريّة مع جدي؟ فكان جوابك لي: كنت أعيش أنا وجدك تحت سقف واحد، لا نعرف سوى الحب والوئام والاحترام، وكنَّا نسعى لإسعاد بعضنا البعض، كان جدك لا يرى من الدنيا إلّا جدتك وخدمتها يا ولدي، كنَّا نسعى معًا لتقوية علاقتنا الزوجية والأسرية لننال بذلك رضا الله تعالى.
ليت روحك الطيبة تعيش اليوم بيننا حتى تشاهدين أين وصل بنا الحال؟ وكيف نسي الكثير منَّا عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية والأسرية الأصيلة؟ وكيف أن التطور والتمدن قد أرهقنا كثيرًا؟ حيث تحول الحال الذي ربيتمونا عليه إلى حال يرثى له، فلو كنت اليوم بيننا لحزنت كثيرًا لما آلت إليه أحوال الأُسر العربية والخليجية والإسلامية.
أتصدقين جدتي أن كثيرًا من النساء في زماننا هذا على الرغم من أنهن يقرأن الكثير من الصحف والمجلات ويستمعن إلى مختلف المحاضرات الدينية والاجتماعية والأسرية، وبعضهن تحرص على النوافل والسنن وقيام الليل، لكن البعض منهن في النهار يزاحمن الرجال في الأسواق ويحضرن إلى قاعات السينما والقاعات العامة والمقاهي؛ بل وأصبح البعض شغله الشاغل مشاهدة المسلسلات التركية والأجنبية، فأصبحت الزوجة في زماننا هذا تقارن بين زوجها المسكين وبين بطل الأفلام الأجنبية، والمسلسلات الغربية، والحال نفسه بات يتكرر مع الرجال الذين أصبحوا يرون من الممثلات المشهورات أفضل من زوجاتهم، فكثُر الطلاق في المجتمعات وتشتت وتفككت الكثير من الأُسر العربية والخليجية والإسلامية.
غاليتي رحلت عنَّا وشعرك الأبيض لما يملأ رأسك، لأنك كنت تعيشين الحياة ببساطتها مع جدي العزيز، فأنتما لا تعرفان من الدنيا إلّا الحب والبساطة والتواضع وكسب لقمة العيش الحلال من عمل جدي رحمه الله وتتشاركان المسؤوليات وتفاصيل الحياة في غبطة وحبور، فما أجملها من حياة طيبة بينكما وأنتما في مجتمع متماسك همّه الحفاظ على القيم والمبادئ والأصالة الاجتماعية.
أدعوك جدتي اليوم أن تشرفي من عالمك الآخر بنظرة إلى مجتمعك الذي أصبح يغرق في الحداثة، ويرتدي من سرابيل التمدن ألوانًا وأشكالًا، أتطلع لنظرة فاحصة منك تجيل النظر في تفاصيل أوضاعنا المعاصرة، وغلاء المعيشة، وارتفاع أسعار كثير من الخدمات مثل: الماء والكهرباء والاتصال، وتضاعف أسعار السلع التجارية، وجشع وطمع التجار الذين باتوا يستوفون الأرباح التي تأخذ من قوت الناس من حيث لا يشعرون، أطلي من عالمك الغيبي لتقفي على مشاكل الجيل المعاصر، مثل: إدمان البعض للمخدرات والمُسكرات، وحوادث سرقة البيوت والمحال التجارية بل ودور العبادة، وكيف أصبح الشيب يدب في رؤوس شبابنا، فمنهم من يعيش عاطلًا بلا عمل، ومنهم من يبيع الماء والأطعمة على الأرصفة والطرقات، ومنهم من قد سُرّح من عمله بلا سابق إنذار؛ بل وأصبح حتى من يمتلكون الشهادات والمؤهلات العلمية والعملية جلساء البيوت بلا وظائف ورواتب تُذكر.
كم نحن بحاجة ماسة اليوم إلى تعزيز الأدوار العلمية والعملية وتفعيلها في مجتمعاتنا، ليستطيع الجميع المشاركة وبشكل فعّال في بناء وازدهار أوطاننا العربية والإسلامية، وهذا لن يكون حتمًا إلّا بالتكاتف والتعاضد والإخلاص والوفاء للوطن، والحفاظ على اللحمة الوطنية والاجتماعية، واحترام الأدوار الوظيفية، وتفعيل المسؤولية المجتمعية بشكل أفضل وأكمل وأجمل تجاه وطننا ومجتمعنا، وتفعيل دور الرقابة المجتمعية، ومحاربة الفساد، والضرب على شبكاته في المجتمع بيدٍ من حديد، لأن الفساد لا يعود إلا بالشرور والخسران على الأوطان بدلًا من السعادة والاستقرار والخير على الوطن والمواطنين الأعزاء، فهناك حاجة إلى الإصلاحات والمحاسبة الدقيقة والصارمة، خصوصًا لمن يسرقون المال العام.
جدتي أيتها الغائبة الحاضرة.. أرجو أن تصلك رسالتي هذه التي كتبتها شاكيًا إليك فيها ما حلّ بأوطاننا العربية والإسلامية، آملًا أن تصلك سريعًا لترفعي بعدها يديك إلى خالقك العظيم بدعوة خالصة صالحة ليعمّ الخير ربوع أوطاننا وبلادنا العربية والإسلامية.