أكد أن الطبيعة العُمانية تعزز فرص السياحة الجيولوجية وسياحة المغامرات العلمية

د. محمد الكندي لـ"الرؤية": البراكين العُمانية خامدة منذ ملايين السنين.. وقيمة اقتصادية عالية للمعادن في السلطنة

◄ عُمان منطقة مُهمة للدراسات الجيولوجية والتنوع البيولوجي في العالم

◄ الجبل الأخضر يضم صخورا بركانية ورسوبية تعود إلى 540 مليون سنة

◄ جبال الحقف تحتوي على مواقع أحفورية من العصر الطباشيري

◄ صخور نارية تعود لنحو 800 مليون عام في جبال ظفار

◄ مشروعات إنتاج النحاس قادرة على تحقيق مردود اقتصادي كبير

◄ عُمان من أكبر الدول المُصدِّرة لخام الجبس

◄ كهف "طيق" من أكبر الكهوف عالميًا

 

الرؤية- سارة العبرية

أكد الدكتور محمد بن هلال الكندي رئيس مركز استشارات علوم الأرض والخبير الجيولوجي والفيزيائي، أن سلطنة عُمان تزخر بمجموعة من المعالم الجيولوجية الفريدة والمتنوعة، كما إنها تعد منطقة مُهمة للدراسات الجيولوجية والتنوع البيولوجي، ومن أشهرها الجبل الأخضر الذي يحتوي على طبقات سميكة من الصخور الجيرية يعود أغلبها إلى نهاية حقبة الحياة القديمة- نحو 270 مليون عام- وحقبة الحياة المتوسطة، مشيرًا إلى أنَّ هذه المعالم الجيولوجية تحتوي على أحافير بحرية متنوعة منها المرجان البحري والقواقع والأسماك والمحار بأنواعه المختلفة، إضافة إلى أن عُمان تضم مجموعة من فوهات البراكين الخامدة منذ ملايين السنين، وتوجد على امتداد صدوع ضخمة في السلطنة.

وأضاف الكندي- في حوار خاص مع "الرؤية"- أن هذه الصخور ذات طبقات صخرية ينتج منها النفط الخام في مواقع مختلفة من باطن أرض شبه الجزيرة العربية، ولذلك فإنَّ دراستها تتيح المجال لفهم أوسع وأعمق لمكامن النفط والغاز، ويقع أسفل هذه الطبقات في الجبل الأخضر صخور بركانية ورسوبية تعود إلى حقبة الحياة السحيقة؛ أي أن عمرها يزيد بكثير عن 540 مليون سنة، وقد ترسبت في ظروف مختلفة تمامًا عن الظروف المناخية اليوم؛ إذ كان مناخ الأرض حينها متقلبا بين الجليد والبحار الضحلة والأنشطة البركانية الهائلة، كما إن الطبقات الصخرية في الجبل الأخضر عموما تحتوي على أنواع متباينة من الكهوف الرائعة والأودية الجميلة التي توفر فرصا واعدة جدا للسياحة الجيولوجية وسياحة المغامرات العلمية.

وأوضح الكندي أنَّ صخور "الأفيولايت" تعدُّ من الصخور البركانية، وهي تمثل قشرة محيطية قديمة اعتلت أرض عُمان قبل نحو 90 مليون سنة خلال العصر الطباشيري، وتنقسم إلى قسمين أساسيين، العلوي منه يكون رمادي اللون نسبيًا ويحتوي على صخور الجابرو وصخور البازلت والتي تحتوي على خامات مثل النحاس، والسفلي منه يكون داكن اللون ويحتوي بصورة أساسية على صخور البريدوتايت تحتوي على معادن كثيرة منها الكروم، موضحًا أن صخور الأفيولايت تمتد من شمال جبال الحجر بالقرب من ولاية دبا إلى الجنوب الشرقي من جبال الحجر في ولاية صور، وتعدُّ من المقاصد العلمية السياحية العالمية ويأتي لزيارتها ودراستها الكثير من الجيولوجيين سنويا.

وأشار إلى أن الجبل الأبيض الذي يقع بين ولايات قريات وصور شرقا إلى ولايات إبراء ودماء والطائيين غربا، يعد من النتائج الجيولوجية التي عثر عليها، ويتكون من صخور جيرية بيضاء ترسبت عمومًا في بحار ضحلة خلال حقبة الحياة الحديثة قبل نحو 50 مليون سنة، ويحتوي هذا الجبل على مجموعة من أنظمة الكهوف في العالم منها كهف مجلس الجن وكهف التري وغيرها، كما أن الجبل يحتوي على مجموعة من الآثار القديمة كقبور كبيكب وتعود إلى العصر البرونزي المبكر.

وتابع رئيس مركز استشارات علوم الأرض أن جبال منطقة الحقف تقع في محافظة الوسطى بين ولايات محوت والدقم وتحدها من الغرب ولاية هيماء، وتحتوي هذه الجبال على مواقع أحفورية مُميزة مثل منطقة أحافير الرودست، وهو حيوان بحري منقرض عاش في العصرين الجوراسي والطباشيري، وأحافير أشجار الصنوبر التي تعود إلى العصر البرمي؛ إذ عاشت هذه الأشجار فيما يبدو على ضفاف الأنهار قبل نحو 280 مليون سنة، كما أنه يوجد في منطقة الحقف مجموعة من مواقع الخدوش الصخرية الجليدية التي تكونت عندما كانت أرض الجزيرة العربية قريبة من القطب الجنوبي، بالإضافة إلى موقع يعرف باسم حديقة الصخور الذي يحتوي على تشكيلات صخرية تكونت بفعل النحت والتعرية عبر ملايين السنين.

وأشار إلى أن جبال مسندم والتي تعرف برؤوس الجبال، بها مجموعة من القمم الصخرية الشاهقة والأخوار البحرية العميقة، وقد نشأت هذه الجبال كنتيجة مباشرة لتصادم الصفيحتين العربية والأوراسية على امتداد جبال زاجروس وجبال مكران، نتيجة لانفلاج البحر الأحمر وتحرك الجزيرة العربية شمالا، وتجذب جبال مسندم الكثير من هواة الغوص والرياضات الجبلية المختلفة من أنحاء مختلفة من العالم، مبينًا أن سلسلة جبال ظفار تكونت بسبب انفتاح خليج عدن وتباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية في العصور الحديثة، وهي تحتوي على مجموعة مميزة من الصخور النارية المتباينة، خصوصا في سهل مرباط وجزر الحلانيات وخليج حاسك، هذه الصخور تعود إلى ما يصل إلى 800 مليون سنة.

وذكر الكندي أنه على القمم المرتفعة لجبال ظفار وفي هضابها تقع مجموعة من الكهوف العميقة، منها كهف طيق وحفرة طوي اعتير وكهف صحور أو سحور وكهف شعت، وأن أغلب هذه الكهوف يقع في طبقات من الصخور الجيرية السميكة، كما تحتوي هذه السلاسل الجبلية على صخور الجيود ببلوراتها الجميلة وصخور الدرنات بتشكيلاتها البديعة.

الترسبات الرملية

وأضاف الكندي أن رمال الشرقية ورمال الربع الخالي وسبخة أم السميم تعد من أشهر الترسبات الرملية والسبخات الملحية، إذ حدث ترسب أغلب هذه الرمال في الفترات الباردة والجليدية المتأخرة خلال المليون سنة الماضية، لافتاً إلى أنَّ الطبقات الكربونية في جبل شمس ووادي النخر في بحار ضحلة ترسبت خلال حقبة الحياة المتوسطة، ويعد جبل شمس أعلى قمة في دول الخليج العربي الست، ويحتوي هذا المكان بأوديته وممراته على مواقع سياحية للمشى الجبلي كممر ساب بني خميس وما يعرف أيضًا بطريق البوصلة، ويحتوي وادي النخر على برك مائية كبيرة يقصدها الكثير من المغامرين.

معادن عُمان

وبيّن الخبير الجيولوجي أن سلطنة عُمان تحتوي على خامات معدنية مختلفة في سلاسلِها الجبلية في شمال عُمان وجنوبها، وهذه الخامات تنقسم إلى نوعين أساسين، خامات معدنية فلزية واللافلزية، موضحًا أن الخامات المعدنية الفلزية تنقسم إلى عدة أنواع منها الكروم وهو خام ينتشر في الطبقات السُفلى ويعرف بصخور "أوفيلايت" وتنتشر في جبال الحجر على هيئة قطع جبلية مختلفة بحسب المناطق الموجودة بها مثل: أوفيلايت سمائل، وأوفيلايت إبراء، والرستاق ونخل، وبهلاء ووادي الجزي وغيرهما، وعادة ما يكون خام كروم على هيئة عروق أو مناطق تمعدن صغيرة تحتاج إلى متابعة خلال عملية التعدين؛ نظرا لصعوبته والعثور عليه، وتوجد هذه الصخور في جزيرة مصيرة بشكل كبير ويستخدم بصورة أساسية لإنتاج معدن الكروم كطلاء ومقوي لمعادن أخرى، ويوجد مصنع في ولاية صحار يعرف "بالفيري كروم" لإنتاج معدن الكروم.

وأضاف أنه من الخامات الأخرى الموجودة في سلطنة عُمان خام النحاس، وهو خام منتج منذ آلاف السنين، إذ إنه من المرجح وجود هذا المعدن إلى نهاية العصر الحجري الحديث انتدابا بنهاية العصر البرونزي الحديث ثم العصر الحديدي ثم العصور الإسلامية المختلفة، لافتًا إلى أن إنتاج النحاس في سلطنة عُمان يعد متأخرا في عام 1015 وذلك من خلال عدد من المناجم مثل منجم العرجى وأسيل ويتواجدان في وادي الجزي، وأيضا منجم الراكي في ولاية ينقل.

وتابع: "حاليا ستبدأ السلطنة بمشروعات أخرى لإنتاج النحاس وتكون أغلبها في ولايتي صحار وينقل، ومن المتوقع امتداد الإنتاج في ولايات أخرى، وأحيانا ما يكون خام الذهب مصاحبا لخام النحاس لعدة مواقع في السلطنة، ولكن استخلاصه في عُمان مُكلف وعادة ما يكون ذا عائد غير اقتصادي؛ لذا تركز السلطنة كثيرا على إنتاج النحاس عن طريق شركات معادن محلية، سعيًا نحو تحقيق مردود مردود اقتصادي بحكم سعره في السوق وزيادة الطلب العالمي عليه".

ولفت إلى أنه بالنسبة للمعادن اللافلزية، فإن أشهرها خام الجبس؛ حيث أنتج سابقًا في منطقة الغابة في جنوب محافظة الداخلية بكميات بسيطة نسبيًا، ولكن ما زال ينتج بكميات طويلة في ولاية ثمريت بمحافظة ظفار، ويصدّر من ميناء ريسوت بالمحافظة ذاتها إلى الخارج، كما أن السلطنة تعتبر اليوم من أكبر الدول المُصدرة لخام الجبس عالميا، إذ يدخل خام الجبس في صناعات عديدة منها صناعة ألواح الجبس، وأيضا من ضمن الخامات اللافلزية الحجر الجيري الذي يدخل في صناعة الأسمنت والأدوية وفي الصناعات ذات الجودة العالية، وينتج هذا الحجر في عدة مواقع في السلطنة مثل شمال محافظة الباطنة والوسطى بالتحديد بولاية الدقم، وكذلك محافظة ظفار، وحاليًا هناك خطة لإنتاج كميات كبيرة من خامي الجبس والحجر الجيري بالتحديد من ولايتي شليم وجزر الحلانيات تحديدا في المنطقة الشويمية، وتقوم الآن شركة تنمية معادن عُمان بدراسة إنشاء ميناء في هذه المنطقة يستغل في تصدير الخامات والأسماك،  كما أن من المعادن اللافلزية خام اللاترايت وهو خام ذو جودة منخفضة لذلك لا يصلح لصناعة الحديد أو "الستيل" ويدخل في صناعة الأسمنت ومتواجد في محافظة شمال الشرقية، بالإضافة إلى أن هناك صخورا مستخدمة في كبس الشوارع أو أرضيات المنازل وتسمى رمل الكنكري الذي يفرش في الطرق قبل تمهيدها، وأيضًا لانتفل أو كبس الأراضي الساحلية أو أراضي المطارات، وصخور الأودية لإنتاج رمل لانتفل، ورمل الكواردس، إلا أن منتجاتها قليلة في عُمان.

كهوف عُمان

أشار الدكتور الكندي إلى كتاب "الدليل إلى كهوف عُمان" والذي صدر باللغتين العربية والإنجليزية، موضحًا أنه تمَّ العمل عليه لمدة امتدت إلى 5 سنوات، من قبل فريق عُماني بالتعاون مع الجمعية الجيولوجية العُمانية لاكتشاف الكهوف.

ويتناول الكتاب أكثر من 100 كهف في عُمان بتنوع أحجامها وأهميتها وتاريخها سواء التاريخ الجيولوجي والتاريخ البشري والكائنات التي تعيش داخل هذه الصخور والجانب البيولوجي والصخور التي تكونت فيها والمعادن الموجودة في هذه الكهوف.

وأوضح الكندي أن الكهوف في عُمان تختلف بحسب حجمها، فمنها الصغيرة التي يبلغ حجمها عدة أمتار مثل كهوف وادي دربات بولاية صلالة ومنها المتوسط مثل كهف "طوي أعتير"، ومنها الكبيرة مثل كهف "طيق" بمحافظة ظفار، وهو أكبر الكهوف المكتشفة عالميا، مضيفا أن الجبل الأخضر أحد أكثر المناطق تكونا للكهوف، بسبب ارتفاع معدل سقوط الأمطار الذي يبلغ أحيانا 300 مليمتر سنويا.

البراكين بالسلطنة

وقال الدكتور محمد بن هلال الكندي إن سلطنة عُمان تزخر بمجموعة فوهات براكين أو أنابيب لخروج الماجما (الصُهارة البركانية) من باطن الأرض، ولكنها مواقع خامدة منذ ملايين السنين وتوجد على امتداد صدوع ضخمة في السلطنة، كتلك التكوينات الموجودة في الأشخرة بولاية جعلان بني بو علي وأيضًا ولاية محوت على امتداد الساحل الشرقي في ما يعرف بمنطقة الحقف الواقعة في ولايتي محوت والدقم.

كهوف (1).jpg
كهوف (2).jpg
كهوف (1).jpeg
الجبل الأخضر.jpg
 

تعليق عبر الفيس بوك