سعيدة بنت أحمد البرعمية
بعد عام من الغياب لصوت كان يصرّ على نقل الحقيقة يأتي الحادي عشر من آيار ليسجّل الذكرى الأولى لاغتياله ويقول: "ليس سهلا ربما أن أغير الواقع؛ لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم.. أنا شيرين أبو عاقلة".
مقالي اليوم بصوت شيرين أبو عاقلة من آخر مقابلة لها مع قناة الجزيرة، إلى روحها المجد والخلود.
"خلال أكثر من عشرين عاما غطينا كل شي من المفاوضات للإنتخابات في فلطسين وفي إسرائيل، تغطيات من جوانب كثيرة ولكن الفترات إللي بتذكرها طبعا لايمكن أن تمحى من الذاكرة هي أولا بدأت في الإنتفاضة الثانية، الإنتفاضة تركت أثر كبير بالنسية إلنا كصحفيين وكنا كجزيزة كان إلها دور مهم جدا في تغطية الإنتفاضة الثانية بفلسطين وإللي بدأت مع اقتحام شارون للمسجد الأقصى المبارك، التغطيات كثيرة، نحنا مريرنا من الأيام إللي أنت مضطر فيها تبات في المكتب، أحيانا بيوت الناس كانت تفتح إلنا إنه نبات فيها لأنه إنت بتروح لمدينة ما فيك تتركها في ساعات الليل، ما فيك تتنقل في ساعات الليل، بتنا في مستشفيات، الزملاء باتوا في السيارات، كانت ظروف صعبة جدا؛ ولكن كنت تشعر إنك إنت قادر تحقق شي، قادر توصل صوت، فترة الإنتفاضة صعبة لأنه بتتعامل مع دبابات بتتعامل مع احتلال، في بعض الأحيان أفضل إنه يشوفك الجندي وفي بعض الأحيان إذا بيشوفك بيطخك؛ ففي تنقدات كبيرة وإنت كصحفي عليك أنك تقيّم يعني، الحروب طبعا معروفة".
أشرس الحروب إللي عشناها ضد قطاع غزة في العدوان كانت 2014 وفي الحرب الأخيرة 2021 في مايو، كانت أيام صعبة جدا، في تغطيات أحيانا أنت تشارك فيها الصعوبات تكون معنوية وجسدية، كيف تحافظ على أمنك، كيف تحافظ على رسالتك ومهنيتك، صعب جدا إنه أنت تكون في منطقة إنت كمان في خطر، إنت تخشى إنه تكون معرّض لأي صورايخ؛ ولكن إنت كمان في المقابل بتشاهد الصواريخ إللي بتنطلق من ناحية إسرائيل وتسقط في قطاع غزّة وعلى الأشقاء هناك وإللي هم ما عندهم حتى رفاهية إنه يكون عندهم ملاجئ، نحنا كنا عندما تدّوي صافرات الإنذار إحنا كان عندنا صراع، ماذا نفعل وغالبا كنّا نبقى في أماكننا أو نبحث عن مكان نتدارى فيه قليلا، لأنه إنت تشعر إنه في عندك ملجأ تتوجه إلو في الوقت إللي أخوك في الجانب الآخر بلا ملجأ وفي وضع صعب ومعقد، أنا بالنسبة لي شخصيا لايمكن أن تُذكر الإنتفاضة الثانية بدون ما أذكر مخيم جنين، الجزيرة كانت من أوائل المحطات الموجودة في المخيّم وغطّت، وقتها بالمناسبة لم تكن عندنا هذه الإمكانيات الموجودة اليوم، كان عندنا أجهزة بث ثقيلة نحملها بأيدينا، الشباب كانوا يحملوها، طبعا جودة البث ليست بذات الجودة الموجودة اليوم، كانت ظروف صعبة جدا، جنين من المناطق أللي غطيناها، كان إذا إنت بتجي أمامك أيّ دبابة إنت بتتعرض لإطلاق النار، كنّا نسعى جاهدين للإختفاء عن أعين الجنود، طبعا كان وجود المقاومة لافت في جنين ونحن تعرفنا على كثير من الشبان الذين كانوا نشطاء خلال الإنتفاضة الثانية منهم من استشهد ومنهم من تعرّض للاعتقال ومن بينهم كان أبو جندل، أبو جندل أنا مازلت أذكر آخر مكالمة تكلّم فيها معانا، وجّه صوته واستطنا أنه ننقل صوته للعام عندما كان يوجه نداءات بأن الشبان وأهالي جنين يتعرضون للقصف وللحصار وكان يطالب بالتدخل الدولي، ما زلت أذكر هذه المكالمة تماما؛ ولكن للأسف الشديد بعد ساعات معدودة وصلنا خبر إنه استشهد، كنت في كل لحظة تتوقع خبر صعب من هالنوع لناس إنت كنت تعرفهم وقابلتهم، عملت مقابلات زرنا المخيّم قبل الاجتياح عدّة مرات؛ فكنا نعرف هذه الناس، فما كنت تتوقع شو ممكن تتوقع، فكانت أيام صعبة جدا، أذكر في مخيّم جنين كنّا نبات أحيانا في مستشفى وبتنا في بيوت ناس ما بنعرفها لأنه كان التنقّل مجرد التنقل من مدينة إلى أخرى والذهاب إلى جنين والعودة إلى رام الله في ذات اليوم كان صعب ومستحيل ما كان في إمكانية للتنقّل ليلا؛ ولكن تشعر إنه إنت قدرت توصل صوت هاي الناس على الأقل للعالم، حصار أبو عمّار جاء في سياق الإنتفاضة الثانية والأحداث المتلاحقة، هذه من الليالي التي أتذكرها تماما وبالفعل كان لها دور في التخفيف من ذلك الحصار، في ذلك اليوم استهدفوا الأجهزة الأمنية الرسمية كل شي أصبح مستهدف؛ فإنت كصحفي يخلق عندك التحدّي من أين ستأتي بالمعلومة، وطبعا حصار الرئيس الراحل معروف إنه امتد وانتهى أخيرا ووصلت إلى أنه تعرّض للتسميم ونحن في الجزيرة عايشنا كل لحظة من تلك اللحظات، من التغطيات الهامة إللي أنا بعتبرها هي تغطية انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، احنا في حينها كنا موجودين، أنا بفتخر فيها لأنه إحنا دخلنا على هاي المستوطنات وهي بتخلى وهي المرة الأولى التي عشنا فيها رؤية مستوطنات يتم إخلائها، نحن بالعادة نغطي فلطسينين يُهجرون من بيوتهم وبيوتهم تهدم؛ ولكن كان في حينها المرة الأولى التي نحن نعايش وننقل تحرير جزء ولو كان صغير من فلسطين، أكثر تغطياتنا للأسف صعبة جدا على الصعيد النفسي، ولكن على رغم صعوبتها كان فيها على الأقل شيء جميل، شعور بالتحرير إللي عشناه فقط في تلك الأيام، ومن التغطيات إللي بتذكرها عندما استطعنا دخول سجن عسقلان، تجربة مميزة إنه في أناس خلف القضبان موجودين لسنوات طويلة جدا، بعضهم أكثر من عشرين عام أو أكثر، إنت تتمكن من إيصال صوتهم للعالم، تكون همزة الوصل إللي بتوصل هذا الصوت بكل ما يعايشونه داخل المعتقل، لأنه بتذكر أحد الأسرى كان فخري البرغوثي إللي اليوم تحرر كان هو في السجن مع أبناؤه، نحن صورناه هو وأبناؤه، كان هناك سعيد العتبه إللي كان يعتبر من أكثر الأسرى إللي قضوا سنوات ومن أكبر الأسرى داخل السجون، استطعنا إنه نعمل معهم مقابلات؛ فكانت تغطية مميزة جدا، إحدى الصعوبات التي عايشناها في 2014 كانت هي المضايقات التي تعرّض لها العديد من الزملاء خلال تغطياتهم سواء زميلي وليد أوإلياس، للأسف في بعض الأحيان أينما وضعت الكامرا ينظر لك بأنك تصور مكان ممنوع أو حتى لو كانت هناك كاميرات أخرى إسرائلية تسمح لها، ما كان مسموح لوسائل الإعلام الإسرائلية والأخرى لم يكن مسموحا لنا، دائما أنت محط اتهام، كانت هذه من الصعوبات، ولكن أنا برأيي الصعوبات لم تكن فقط من قبل جيش الاحتلال، الصعوبات أحيانا أكثر من قبل المستوطنين سواء على حدود غزة في 2014 ، تضع كاميرتك وأحيانا تأتي سيارة فيها مستوطنين ويراقبوا إن كان هناك صحفيين فلسطينين أو عرب في للتغطية؛ فدائما تشعر إنك مستهدف وباعتقادي الاستهداف من قبل المستوطنين هو الأكثر صعوبة؛ لأنهم منفلتين ولأنهم مسلحين في ذات الوقت، اليوم نحن نعيش ذلك أيضا في الضفة الغربية، هناك من المستوطنين من يوقفك ويطلب منك هويتك ليس من الجيش وإنما من المستوطنين وأحيانا يحاول اعتقالك، زميلتي جيفارا في آخر تغطية في الشيخ جرّاح كانت وافقة عندما جاءوا إليها الجنود واعتدوا عليها ولولا وجود التسجيلات التي تثبت أنها كانت واقفة لكانت هناك تهمة جاهزة لها أنها قامت بالإعتداء على مجنّدة، السيدة التونسية التي قامت برفع علم فلسطين عند باب العمود في مسيرة الأعلام وتعرضت للاعتقال والضرب والاعتداء، هذه صديقة لي وكانت تقف بجاني، أحيانا أنت تشعر بشعور صعب مابين مشاعرك كإنسان تحب الدفاع عن هذه السيدة التي لم تفعل شيئا، لم تعتدي على أحد هي كانت واقفة ورفعت العلم وفجأة أصبحت تحت اعتداء الجندي عليها، أنت تريد أن تفعل شييا ولكن صعب جدا هذا الشعور أنت كصحفي يجب أت تقف على الحياد، من التغطيات التي أذكرها جيدا وصعب نسيانها في حرب 2021 خلال تلك الفترة أنا كنت موجودة في حيفا تحديدا، بقينا هناك وأمضينا عدة أيام في حيفا، ممّا أذكره هو المقابلة مع شابة وشقيقها في مدينة حيفا، طلبوا منا أن نذهب لتصوير منزلهم والمبنى إللي ساكنين فيه لأنه تعرض لوضع علامات حمراء من قبل مستوطنين دخلوا إلى مدينة حيفا؛ فكان هناك اعتداء من قبل المستوطنين على البيوت العربية، أما في مدينة ألدّ كان صعب علينا دخول هذه المدينة في الأيام الأولى نتيجة الاعتداءات التي تعرض لها العرب من قبل المستوطنين، كانت مدينة غير آمنة واضطررنا للانتظار يوم أو يومين، وكان واضح الخراب والدمار الذي لحق بالممتلكات، بالبيوت، بالمركبات الفلسطينية التي أحرقت فقط لأنك مواطن فلسطيني؛ فهذه كانت شهادة على ما كانت تراهن عليه إسرائيل بأن المواطن الفلسطيني داخل الخط الأخضر لم يعد يعتد بالهوية الفلسطينة، أثبتوا بأن كل ذلك كان كلام مغلوط، هو لم يكن فقط عدوان على قطاع غزة والفلسطينين جلسوا يتفرجون، كان كل فلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة والمواطن الفلسطيني داخل المدن والبلدات العربية كان في شعور جمعي بهذه الهوية والفلسطيني مازال يرفع علمه الفلسطيني ومازال يفتخر بهويته الفلسطينية".