برامج وطنية نحو الاستدامة

 

د. أحمد بن خلفان البدوي

تناول مقالي المنشور بتاريخ 9 أبريل 2023، مخرجات خطة التوازن المالي (2021 – 2024) والتي أجمعت عليها السياسة المالية والاقتصادية من خلال تنفيذ برامج وطنية تمثلت الأطر الرئيسية لها في برنامج الاستدامة المالية وتطوير القطاع المالي "استدامة"، وبرنامج جلب الاستثمار "نزدهر"، وبرنامج تعزيز التنويع الاقتصادي "تنويع"، وبرنامج التشغيل "تشغيل"، لكن هناك ما يتبادر إلى أذهان المستفيدين من نسيج المجتمع التشاركي (التنموي والاقتصادي)؛ سواءً كانوا أفرادا أو مستثمرين السؤال التالي: ما الدافع من تأسيس مثل هذه البرامج؟ وما مدى انعكاساتها على الساحة الاقتصادية في المرحلة المقبلة؟

دعونا نطرح جُملة من التطلعات إبان إقرار ودخول هذه البرامج حيز التنفيذ على المدى القصير والبعيد، هنا يجب أن نكون أكثر تيقنًا أن الأبعاد التنموية والاقتصادية للبرامج المعنية سابقة الذكر والتي ستُنفذ بشكل مستقل أو بشكل توافقي لا سيما وأنها تعمل من خلال فرق تخصصية مُتجانسة ومتنوعة بخبرات وطنية تحت إطار مشترك يقترن ببعد تنموي واقتصادي يهدف إلى الاستدامة مع الإعداد للواقع الاستشرافي الداعم لسياسة مشتركة من خلال زيادة مواءمة العمل المؤسسي في المرحلة المقبلة.

ولتسليط الضوء والإجابة على جُملة التساؤلات- من وجهة نظري- أن توجه الحكومة الرشيدة لتأسيس هذه البرامج وتحديد المُسميات لها ينبع من أهمية توافقها مع إطار خطة التوزان المالي للبرنامج الوطني للتوازن المالي الذي أُطلق بتاريخ 22 أكتوبر 2020؛ حيث تضمنت الخطة محاور تخصصية (تنموية واقتصادية) شمِلت:

  1. دعم النمو الاقتصادي.
  2. ترشيد ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي.
  3. تنويع وتنشيط مصادر الإيرادات الحكومية.
  4. رفع كفاءة إدارة المالية العامة.
  5. تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية.

ومما لا شك فيه أن التوجه المؤسسي الحديث في ظل المتغيرات الاقتصادية بطابعه التكنولوجي والذي تسعى السلطنة إلى تحقيقه يأتي من خلال تعزيز الشراكة المجتمعية من منطلق الأولويات الوطنية التي اقترنت بالتوجهات الاستراتيجية المُعلنة في رؤية "عُمان 2040"، وإن النهج السامي أسدى تعليماته بتحديث منهجيات عمل المفاصل التنموية الاقتصادية والذي تتطلبه المرحلة القادمة بعد أن تم إعادة تشكيل الجهاز الإداري في العام 2020، جاء ليؤمن دور الحكومة في تفعيل الشراكة المجتمعية من خلال الخدمات المتاحة التي أصبحت بدورها تسهم في أركان التنمية لا سيما بعد تحديث جُملة من القوانين واللوائح التنظيمية التنموية والاقتصادية والتي يراد بها مواكبة متغيرات المُستقبل في ظل التوجهات الإقليمية والدولية، ومن هنا أرى أنَّ مواكبة المتغيرات وفقاً لهذه التوجهات لا بد أن تكون وفق منهج استشرافي يلامس أرض الواقع ويدعم أبعاد التنمية الرئيسية: (العمراني، الاجتماعي، البيئي، الاقتصادي).

لذا فإنَّ بلوغ مرحلة الاستدامة لمختلف التوجهات القطاعية من خلال البرامج الوطنية لا بد أن يكون مرتبطاً بفكر تنموي اقتصادي وهو ما توجهت إليه الحكومة إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، ويتطلب الأمر من الجهات المعنية ذات الصلة القيام بإجراء تغييرات يكون لها دور فعال نحو تحقيق نسب أفضل لمختلف المساهمات القطاعية بنسب متوازنة في الناتج المحلي الإجمالي. هنا نجد أن التوجهات الاستراتيجية المُعلنة بشكلها التفصيلي في رؤية "عُمان 2040" أتت بربط ما له تأثير تنموي أو اقتصادي، والذي يراد به مواكبة التغيير من خلال إدارة المفاصل التنموية والاقتصادية على حد سواء، خاصة تلك التي تُساهم فيها الحكومة أو التي يُراد منها تعزيز الاستثمارات المستقبلية الخاصة والعامة من خلال وجود بيئة أعمال تنافسية؛ حيث إن الفكرة الأساسية في مضمار الاستدامة التنموية والاقتصادية لا بُد أن تعمل وفق آليات مستقبلية تستهدف القطاعات الحيوية، لا سيما الناشئة منها؛ باعتبار أن عملياتها التشغيلية من شأنها أن تُساهم في تحقيق مؤشرات ميدانية على أرض الواقع. وبطبيعة الحال، فإن ارتباط الهيكل الاقتصادي والتنموي بالقطاعات الناشئة هي في مُجملها تحتاج إلى مجموعة من العوامل تميزها وتتيح لها إمكانية التوسع في منظومة الاستدامة.

خلاصة القول.. إنَّ منظومة الاستدامة للسلطنة بعد إضفاء البرامج الوطنية : برنامج الاستدامة المالية وتطوير القطاع المالي (استدامة) وبرنامج جلب الاستثمار (نزدهر) وبرنامج تعزيز التنويع الاقتصادي (تنويع) وبرنامج التشغيل (تشغيل)، لا شك أنها تُعد أحد محاور إحداث التغيير الجذري الذي يرتكز على فكرة الشراكة المجتمعية، لذا فإنَّ مرحلة البناء المقبلة والتي انطلقت على أساس شراكة توافقية اجتماعية واقتصادية ومالية، لا بُد لها من تحديد أداة تنفيذية تخصصية لتُساهم بدور أكبر في صنع الفارق لكافة القطاعات، وفي مختلف محافظات السلطنة، مع تحديد القدرات التنافسية المُقترنة بالمستهدفات الوطنية حسب المقومات الطبيعية والجغرافية التي حددتها أطر هذه البرامج الوطنية، وتكون قابلة لقياس الواقع التنموي والاقتصادي للسلطنة، مع انتقاء إدارة وقيادة اقتصادية تتمتع بالخبرة والمعرفة لبناء الممكنات الاقتصادية والتنموية المستهدفة.

تعليق عبر الفيس بوك