الدولار أداة للاستعمار

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

استراتيجية استغلال ثروات الشعوب، وتحويل الحروب والأزمات إلى صناعة دائمة، كل ذلك جعل ثقافة الاستعمار لدى الغرب الاستعماري ثقافة أصيلة ومتجددة في الوسائل والأدوات على مر الزمان.. ومن يستعرض التاريخ الاستعماري للغرب يجد الكثير من التفاصيل التي تُبرهن على أنَّ هذا الغرب لا يُمكن أن يخرج من الباب إلا ليعود متسللًا من النافذة بصور وأشكال أخرى.

فقد استفاد الغرب الاستعماري من تجاربه في الاحتلالات المباشرة للبلدان والشعوب حيث قيم فداحتها عليه رغم عوائدها المالية الضخمة، إلا أنها أرهقت المستعمرين في الأرواح والإدارة، وأظهرت بشاعة احتلالاتهم أمام العالم بتقدم الوعي لدى الشعوب ومفهوم السيادة والقوانين الدولية وحقوق الإنسان وماعلى شاكلتها من قوانين ابتكرها الغرب نفسه في لحظات- على ما يبدو- انكسار وضعف وحاجته لمثل تلك القوانين والتشريعات بعد نكباته وجنايته على البشرية في الحربين الأوروبيتين الأولى والثانية والمسماة زورًا بالحرب العالمية. لم يخرج المستعمر من أرض إلا وقد كبل أبناءها باتفاقيات ظاهرها رحمة وباطنها عذاب، اتفاقيات بشأن الثروات وطرق تقاسمها وحقوق استخراجها، إضافة إلى الودائع المالية وحركة السيولة النقدية، وقد تشمل تلك الاتفاقيات وجود قواعد أو تسهيلات عسكرية وقت الحاجة.

أخرج الغرب الاستعماري قوته الخشنة على الأرض واستبدلها بقوى ناعمة أشد فتكًا وضراوة، وما حالة فرنسا مع 14 مستعمرة أفريقية لها إلا إحدى حالات الاستعمار عبر القوى الناعمة. لم يكتفِ الغرب الاستعماري بجغرافية بعينها؛ بل بسط قوته الاستعمارية الناعمة على العالم أجمع، فمن سلم من الاحتلالات المباشرة لم من يسلم اتفاقيات مهينة تنتقص بقوة من سيادته، ولم يسلم البعض كذلك من استعمار بأوبئة وأمراض للفتك بالشعوب المستهدفة مثل: حرب الأفيون التي شنتها بريطانيا على الصين لتدمير الشعب الصيني، وحروب الإبادات الجماعية للسكان الأصليين من قبل الغزاة البيض في أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها من بقاع الأرض.

ومن سلم من الشعوب والبلدان من تلك الحروب المباشرة القذرة، لم يسلم من استعمارات الأذرع الاستعمارية الحديثة والمتمثلة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فهاتان المؤسستان المعنيتان ظاهريًا بالاقتصاد العالمي، في حقيقتهما أذرع استعمارية غربية بامتياز للهيمنة على مقدرات الشعوب والأوطان والتحكم في حاضرها والعبث في قيمها، ورسم ملامح مستقبلها كُرهًا وقسرًا.

لم يكن العالم فيما مضى- عدا القلة- ينظر إلى الاحتلالات وأدوات الاستعمار الجديدة والمتجددة بعين الرفض والإنكار والسخط بعد رحيل آليات المستعمر من الحقول والأراضي؛ حيث لم يفق الكثير للاحتلالات الثقافية واللغوية والتبعية ويعزوها إلى معناها الحقيقي وهو الاستعمار الجديد، بل جعلها الكثيرون في خانة التفوق الغربي وتطور المدنية الغربية وبرر تبعيته بجملة من التبريرات والشعارات الجوفاء كالحاجة إلى الغرب وتفوق الغرب وتبعية المغلوب للغالب.... إلخ.

ومن هنا تغوَّل الغرب في سطوته وهيمنته على العالم تدريجيًا بفعل هذه القوى الناعمة وصولًا إلى ما سُمي بالثورات الملونة والتي مارس فيها الغرب فوضاه غير الخلاقة لتغيير نُظم معادية وإنهاك مجتمعات متصالحة بالحروب الأهلية والتجويع والحصارات حتى يفرض عليها الغرب مخططه بعد تلك المراحل من الإجهاد المُنظم. لم يكن العالم يتنبه إلى خطورة استعمار الدولار له لولا الأزمة الأوكرانية، هذه الأزمة التي أرادها الغرب سلاحًا لتطويع روسيا وتفتيت قوتها الصاعدة بقوة، فعادت عليه بالوبال؛ حيث اكتشف العالم أن الدولار هو الذي يقرر مصير البلدان والشعوب الكبيرة والصغيرة منها على حد سواء، طالما بقي الدولار عملة التبادل التجاري والتحويلات والودائع في العالم، لهذا خرج اليوان الصيني للعالم ليُشكل بديلًا منافسًا للدولار، وأهتدت العديد من الدول إلى تبادل السلع بينها بالعملات المحلية للالتفاف على الدولار وتعزيز عملاتها المحلية وقدرتها الشرائية.

انقلب السحر على الساحر اليوم وباتت أمريكا على شفا الإفلاس بمديونتها الخرافية واصطفاف العالم ومنه حلفاء لها ضدها وإعلانهم التداول باليوان والعملات المحلية. أمريكا اليوم ومن خلفها الحليف الأوروبي التابع البائس في خيارات مصيرية مُرَّة، فإما القبول والتعايش مع الواقع الجديد وزوال هيمنتهم ومخططاتهم، وإما الهروب إلى الأمام ومواجهة العالم ببؤس كبير وضعف أكبر.

قبل اللقاء.. الغرب انتهى فعليًا وهُزم وأفلس على جميع الجبهات، العسكرية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية، ونهاية هيمنة الدولار هي رصاصة الرحمة عليه.

وبالشكر تدوم النعم.