يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"مصيبة كبرى عندما لا يُفرّق السياسي بين الخيار الاستراتيجي والخيار باللبن.. عندها لن ترى أي فرق بين السُلطة والسَلَطة" محمد الماغوط.
--------
للتاريخ صور وقصص وحكايات وأفراح وأحزان وضحكات وبكائيات، وأول وثاني وثالث ورابع وخامس وسادس إلى آخر الأرقام، ومن أول الحروف حتى آخرها، ومن بداية الزعل حتى نهاية الرضا، من ولدت وأنت تبكي ولما توقفت أنفاسك وغيرك يبكي عليك، ولا إله إلا الله محمد رسول الله ..
قبل قليل من كتابة هذه الكلمات كنت في زيارة لإحدى الوزارات بغرض مراجعة فالتقيت بأحد الأصدقاء فسألني عن تخصصي الأكاديمي فقلت التاريخ، فابتسم وقال ما أسعدك بالتاريخ والقصص والحكايات التاريخية !
وتفكرت ولا أعلم هل أتفكر بمعاملتي العالقة المرهقة، أم بوجهة نظر الصديق عن التاريخ، طيب وما الذي يخصني عن التاريخ، هل هو أخي ابن عمي ابن قبيلتي، لا والله التاريخ هو أنا وأنت وكل ما يجري على ظهر البسيطة، وما أهمية التاريخ، وما مراد الناس به، وماهي اهتماماتهم أم عدم اهتماماتهم فيه، لنتوقف ونتحدث بروية وبلا حماس زائد، لماذا يضع الإنسان نفسه مدافعاً عن التاريخ، أو مشتكيا عليه، أو ضجرا منه؟
ببساطة لأنه التاريخ !
بدا التاريخ منذ بدء الخليقة، وآدم وحواء، والمواليد والموتى، وبناء المدن وانهيارها، حتى كتابة هذه السطور فالتاريخ لا يفارقنا، يحكي سؤدد الأيام، ومتاهاتها، أفراحها وأحزانها، لكنني سأتوقف لنقطة مهمة تكاد الأهم في البحث التاريخي، فقبل الدخول في المصطلحات والنظريات ومناهج البحث وحيثيات الأحداث من المهم جديا التوقف عند خانة الانطلاقة والحديث الصريح عن ماهية التاريخ المكتوب بلا أدلة دامغة أو متسلسلة أحداث واضحة، سأفهمك بطريقة أوضح، هل تعتقد أن كل ماكتب بالتاريخ وفي صفحاته صحيح مائة بالمائة، وموضع ثقة؟
ولو تتبعنا الكتابات التاريخية الماضية والحديثة والمعاصرة هل سنقع في فخ الثقة، هل سنقرأ كل شيء على أنه هو النقل الصحيح، أم سنتثبت مما فيه، بمعنى آخر هنا لا أدعو إلى فوضى وتشكيك، لكن علينا أن ننسجم مع الحقيقة المطلوبة وهي أن لا أحد أعلى من الحقيقة، ولا يوجد تنزيه أو تقديس لأحد مع حفظ المكانة والتقدير، إنما الأمر موضوعي بحت، تفكيك وتشريح واختزال الأفكار المطروحة ليست تكذيبا إنما تحليلا للوصول لمحدد مُعين يحدد حقيقة الواقع للحدث، ليس في الموضوع ذم أم إشادة، تصديق أو تكذيب، لكنه مبحث علمي للتحقق، هل هذا يغضب أحداً؟
قال تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ ( المائدة _27 )
عندما تسأل الكثير عن المثير في التاريخ لن تتعب وراء الإجابة، فالتاريخ السياسي هو الغالب، بل كثير من الناس يعتقدون أو يختزلون التاريخ بالتاريخ السياسي فقط، بالطبع ليس المجال للتوبيخ أو النقد إنما للتوضيح وإضفاء حقيقية الوضع على الشكل العام، لاشك تاريخ الأمم والملوك والرؤساء وأحداث السياسة هو الأكثر اهتماما والأكثر قراءة، إنما لنتساءل أين أبواب ومنافذ التاريخ الأخرى، التاريخ الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وحتى العسكري ؟
الآن تصفح الأخبار، الصحف، نشرات الأخبار وغيرها، ستجد الأهمية العظمى هي للسياسة وأهلها، والبقية من الاهتمامات في طي التجاهل، أو جعل صفحات أو زوايا معينة لها، لكنها قطعًا لن تتبوأ صدارة المنصة أو الصحيفة أو القناة إلا نادرا . .
من الملفت حقا أنه رغم الزخم الكبير للتاريخ السياسي، والتحليلات السياسية، وكمية كتب التاريخ المتحدثة عن أحداث سياسية، إلا أني أظن أن هناك الكثير من السياسيين لم يقرأوا التاريخ بعناية، وإن قرأ أحدهم التاريخ فلن يفهمه بالشكل المطلوب للفهم، تمعن فيما يحدث من أحداث سياسية في العالم، ستجد أن فك رموز الأحداث سهل جدا على طالب سنة أولى تاريخ أو سنة أولى علوم سياسية، باختبار قصير يأتيك بالدرجة الكاملة ( full mark )، وأتفكر وأسأل إذا السياسي لايقرأ أو لايفهم التاريخ، إذن أين المستشارون الذين يتوقع أن يكون الواحد منهم على معرفة وخبرة؟
الأكيد أن الحدث السياسي هو من يبين ماهية الخبرة والكفاءة لدى الساسة، وهنا سنرى بوضوح من سيقود بلاده إلى مراسي الاستقرار، ومن سيقود بلاده إلى مهب الريح !
وأما من سيكتب التاريخ المعاصر وفي وقته، فقد لايأتي بالحقيقة كاملة، لأسباب تتعلق بماهية النفس البشرية ودوافعها، لكن الانتظار سيكون لمن سيكتب ذات التاريخ بعد أكثر من عقود قصيرة من الزمان !
قرأت أن بعض الدول الكبرى لاتفتح أرشيف أحداث اليوم إلا بعد مضي ثلاثة عقود، وأظن الأسباب وجيهة، بل ووجيهة جدا.