ذاكرة الجسد

 

الطليعة الشحرية

"جسدك لديه القدرة على الشفاء الذاتي"، جملة غريبة سمعتها من امرأة مُسنة في أحد المقاطع المرئية، هل فعلًا الجسد يملك خصائص الشفاء الذاتي؟

قد تتعرض أحياناً إلى المغص أو الصداع بدون أن تسبقها أعراض مرضية وذلك عندما يقع الشخص تحت ضغط نفسي. في عالمٍ تَكثرُ فيه الضغوطات بمختلف أنواعها: النفسية، والاجتماعية، والحياتية، والاقتصادية، والسياسية؛ بحيث تبقى آثارها على أجسادنا وأرواحنا بهيئة أمراضٍ عضويةٍ وأخرى نفسية.

إذن انتبه لأن جسدك يحاول التحدث إليك.

(1)

الصحة والعلاج

حسب تعريف منظمة الصحة العالمية، فإن الصحة: "هي حالة السلامة البدنية والنفسية والاجتماعية التي يحظى بها الفرد، وهي لا تعني مجرَّد غيابٍ للمرض أو العجز"، في حين أنَّ العلاج هو: عملٌ يقوم به الأخصائي في حال وجود مرضٍ أو عجز ما".

يُعالج الطبيب أو الأخصائي الأعراض التي تؤرق جسد الإنسان، فإذا كان لديك ركبة مُتأذية سيصف لك علاجا أو دواء ليشفي ركبتك على نحوٍ مُجرد دون الأخذ بعين الاعتبار جُل ما يتعلق بك نفسيًا، ودون البحث عن جذور المشكلة وأسبابها. وهنا يظهر علم الميتاهيلث "Meta health".

(2)

علم الميتاهيلث

علم الميتاهيلث "Meta health"، علم يبحث في مفهوم الصحة لدى الإنسان؛ فالكثير منَ العلاجات الحالية تعتمد على علاج الأعراض فقط، بفرض أن يصاب شخصٌ ما ببعض الآلام في مكان في جسده فالطبيب في هذه الحالة سيقوم بتحديد الأعراض ومعالجتها من خلال المسكنات أو الأدوية، بينما في علم الميتاهيلث سيتم البحث عن السبب الكامن وراءَ هذا الألم الذي يشعر بهِ الإنسان وذلكَ أثناءَ البحث في مسيرة حياة الشخص والأحداث التي تعرّضَ لها.

يعرض الميتاهيلث هيكلًا تقييميًا يُحدد تلك الضغوطات المعينة في حياة المريض الماضية أو الحاضرة والتي من المُرجح أن تكون هي المسؤولة عن الحالة المرضية، ثم يُقدم مجموعة من العلاجات الشُموليّة واقتراحات لنمط الحياة ستستجلب.. بدورها السبب الجذريّ للأعراض.

كلُ عَرض له معنى بيولوجيّ ونفسيّ دقيق يُمكن وضعه في خُطة المُعالجة. إن مُمارس الميتاهيلث باستطاعته أن يعرض تلك المنهجية مما يسمح باستكشاف مجال الحلول المُتاحة للمشاكل الصحية بفاعلية.

(3)

تاريخ "الميتاهيلث"

بدأ علم الميتاهيلث في سبعينات القرن الماضي على يد الطبيب الألماني هامر؛ حيث كان لديه ولدٌ وحيد، واحتفالًا بتخرُّجه من كلية الطب، قرَّر الابن الذهاب إلى اليونان برفقة أصدقائه، وهناك حصل شجارٌ بين الأصدقاء، وقُتِل ابن هامر على إثره. أُصِيب هامر بعد 6 أشهرٍ من الحادثة المؤسفة بسرطانٍ في الخصية، كما أُصِيبت زوجته بسرطانٍ في المبيض؛ ممَّا دفع هامر إلى طرح العديد من الأسئلة: "كيف يُصاب هو وزوجته معًا، وفي جزء من الجهاز التناسلي لكلٍ منهما، وبعد 6 أشهرٍ من وفاة ابنهما؟!

قضى هامر بعدها حياته في البحث عن الأسباب النفسية للأمراض، وبدأ يبحث عن الخلفية النفسية لمرضاه، ورسم خرائط معقدةٍ جدًا وضخمةٍ جدًا، واكتشف أنَّ التعرُّض إلى صدمةٍ نفسيَّةٍ يؤثِّر في نقطةٍ معينةٍ من المخ، وكلُّ نقطة من المخ لها عضوٌ مقابلٌ في الجسد تؤثِّر فيه، وقد أظهرت الأشعة المقطعيَّة للمخ نقاط الصدمة تمامًا، وأصبحت أسلوبًا مهمًا من أساليب التشخيص، بهدف قراءة التاريخ المرضي للمريض.

(4)

كيف تحدث الصدمة النفسية؟

قد تكون الصدمة النفسية عبارةً عن كلمةٍ أو موقفٍ ما تعرَّض إليه الإنسان، ولكنَّ استقباله لهذا الموقف أو لتلك الكلمة كان قاسيًا جدًا، وللصدمة النفسية صفات معينة منها أنها غير مُتوقَّعة وكارثية وغياب الاستراتيجية وأنها عازلة، غير متوقعة كأن توجَّه إلى الفرد كلمةٌ سلبيةٌ جدًا من قبل شخصٍ مُقرَّبٍ وموثوقٍ، ولم تكن مُتوقِّعة هكذا كلمةٌ من هكذا شخص. كارثية؛ كأن يكون وقعها قاسيًا جدًا على مُتلقِّيها، وغياب الاستراتيجيَّة؛ كأن يصبح الشخص في لحظة الصدمة غائبًا عن الوعي، بحيث يفقد السيطرة ولا يستطيع التفكير بحلٍ للموقف. تكون الصمة عازلة؛ كأن يشعر الشخص المصدوم بأنّه وحيدٌ في الحياة، حيث تعزله الصدمة عن نطاقه كلِّه. قد تُسبِّب الصدمة النفسية مرضًا عضويًا، وقد لا تُسبِّب؛ فقد يجتاز الإنسان الكثير من الصدمات بنجاح دون تأثرٍ في منظومته الصحيَّة، ولكن أساس كلِّ مرضٍ عضويٍّ إن وجد؛ هو صدمةٌ نفسيَّة.

(5)

المُعالِج بالميتاهيلث

يُسجِّل الفرد في لحظة الصدمة كلَّ التفاصيل، كالمكان، والصوت، والألوان، ومشاعره السلبية؛ ويُخزِّن هذه التفاصيل في عقله، ويُقفِل عليها، تكمن براعة المُعالِج بالميتاهيلث في فتح ما تم الإقفال عليه وتنظيفه.

بعد اكتشاف الصدمة، يُطلب من الفرد استحضار صدمته بكلِّ تفاصيلها، واستشعار مشاعره السلبية كما هي، وبعد ذلك يستخدم المُعالِج تقنياتٍ معينةً لتحرير الفرد من الصدمة، وعَتقِه من المشاعر السلبية المرتبطة معها. يستطيع الفرد بعد مرحلة التحرر استرجاع الموقف نفسه، لكن دون وجعٍ أو ألم، ويدخل الفرد بعدها مرحلة التَّعافي، وتَخفُّ شكواه من الآلام الجسدية تدريجيًا، إلى أن تختفي. قد لا يمتلك جميع الأشخاص القوة أو الإرادة لاستحضار الصدمة فالمسألة نسبية من شخصٍ لآخر، وهناك حالات لا يَصلح معها تقنية "الميتاهيلث"، لأن الأعراض الجسديَّة شديدةً، ولا يُمكِن الانتظار فالعلاج باستخدام تقنية "الميتاهيلث".

(6)

ذاكرة جسدك

جسدك مرآتك لنفسيتك فهو يعطي حالة دقيقة وتامة عمَّا تحمله نفسك وقد يكون المرض العضوي هو أحد أعراض صدمة نفسية سابقة أو حاضرة. فالإنسان عبارة عن منظومةٌ متكاملةٌ مكوَّنةٌ من أربعة أركانٍ هي، الجسد، والعقل (التفكير)، والمشاعر (النفس)، والبيئة وهذا حسب علم الميتاهيلت، بينما في علم الطب يُنظر للإنسان على أنَّه جسدٌ مقسَّمٌ إلى أعضاء كثيرة؛ أي أنه عبارة عن مجموعةٍ من الأعضاء المنفصلة المتراكبة فوق بعضها بعضًا، وتُعالَج هذه الأعضاء بطريقةٍ منفصلة.

فبين ثقافة معالجة الأعراض السائدة، وثقافة انتشال المرض من جذوره الأساسية "Meta health" سنبقى أسرى للتشخيص السطحي للأمراض والعوارض وستبقى ثقافة تخدير الألم، وقد تكون هناك حاجة  أن ننظر إلى العوارض المرضية وجذورها بصورة أكثر شمولية أكثر من مؤشر ميزان الوزن ومؤشر ارتفاع الضغط.

وبعيدًا عن البحث الدائم والمُتزايد عن علاجات وأدوية تكميلية في حين أنه هنالك سعي واستمرارية في اكتشاف أهمية اتباع الأسلوب الشُموليّ فيما للوصول إلى حالة صحية متكاملة وغنية، تهتم بالبحث في الأسباب الشَّاملة للمرض وليس فقط في الجزئيَّات القاصرة.