مُستخرجات الفكر

 

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"الفكر البشري حين يتحرَّر ويخرج عن التقاليد لا يستطيع أن يحتفظ بطابع اليقين على أيه صورة" - علي الوردي

*****

 

قبل كتابة هذه الكلمات البسيطة كنت أتساءل ما الذي سأكتبه؟ وهل ممكن ألا أكتب؟ وإن كتبت ما الذي سأكتبه؟ أفتش في الفكر ومستخرجاته، وأفكاره، وأسئلة، واستفهامات، وهذا يصلح للكتابة، وذاك لا يصلح، وتعال معي وفكر، والحيرة تثبت أطنابها على أرضية الفكر!

في أيامنا المباركة التي أكرمنا الرحمن الرحيم بلقائها، وفي غمرة الدعاء في الليالي العشر الأخيرة، لا تلبث السياسة إلا أن تثبت وجودها، تطورات ومبادرات تأخذ صفة الإقليمية والعربية العربية، وآهٍ من السياسة وبحرها الغزيز، زوبعة عميقة، ليس كل من لبس البدلة والبشت استطاعها، السياسة مراكز بحث وإستراتيجيات، والقدرة على اتخاذ القرار الصحيح بالوقت الصحيح وفي المكان المناسب، في السياسة كل ابتسامة بمعنى، طريقة السلام لها مغزى، البيانات لها ألف تفسير.

يقول بندر بن سرور (1): ما كل من هاز الطويلة صعدها!

السياسة أصبحت الضيف اليومي لكل حديث، اقتحمت حتى جلسات السمر بين الأصدقاء، وهل أقول إنها مثار الاختلاف أحيانا بين الزوج وزوجته، وحتى قهوجي المقهى يتناقش بحماس عن وضع قوات فاغنر الروسية في قتالها بأوكرانيا مع رواد المقهى!

كنت أتحدث مع أحد الموظفين العاديين (كحالة كاتب هذه السطور) عن وضع الرواتب والبدلات المالية، ودورات التدريب المحتاج لها الموظف بين فترة وأخرى مسايرة لأحدث تطورات الإدارة، أثناء الحديث مع هذا الموظف المخضرم بعمله جاءت سيرة السياسة تتمخطر بزهو وتقتحم حديثنا، وذهبت أدراج الحديث عما حدث في السودان، وهو الحدث المتوقع وإن تأخرت دواعيه؛ إذ كيف لبلد فيه رأسان وجيشان أن تستقر أوضاعه، لا بُد من التصادم وإن طال الزمن.

رحم الله حال أهلنا في السودان ذلك البلد الثري جدا، والذي أفقرته أنظمة الانقلابات العسكرية المستمرة، هذا البلد الذي يضم أحد أكثر الشعوب العربية طيبة ونقاءً؛ حيث ابتلي هذا البلد الطيب وفي العشر الأواخر بحرب أهلية بسبب مطامع السلطة من قبل أناس ربما كانت نهضة البلاد وتنميتها وخدمة شعبها هي آخر بنود مخططاتها، هذا إنْ وجدت هذه البنود بالفعل.

ثم لا ألبث إلا أنْ أتمعَّن في مُستخرجات الفكر الأخرى بعيدًا عن مستنقعات السياسة، والحديث عن الحياة الاجتماعية، المزدحمة بالعلاقات والاجتماعات، والتي تعتبر أحيانا فيها حالة من التغب الذي لا يضاهى، وتشتت انتباه الشخص عن قضاء وقت للراحة، والعزلة والجلوس بمفرده، وإغلاق الهاتف بعيدًا عن الزحام وصخب الزيارات، مما يريح الروح، لو هناك من ينصح بأخذ كمية كافية من النوم، أو القيام ببعض الواجبات اليومية والانشغال بها، أو قراءة كتاب، أو حتى الذهاب إلى مقهى لتناول قهوة إسبريسو، يسألني السؤال: أليس ذلك الأفضل والأكثر إفادة لحياة مريحة.. أليس كذلك؟

والأحوال الاجتماعية في سلطنة عمان انشغلت بالنقاشات والحوارات والمنع والصد بسبب قرار ينظم الزواج من الأجانب، ومثل هذه الأمور تفرز حالة مجتمعية ساخنة خاصة بين طرفي الإنسانية آدم وحواء، وفي هذا يقول أحدهم: من ينوي الزواج من غير مواطنة سيتزوج ولن يردعه أحد، فرغبة الزواج لا تعترف بإجراءات حكومية؛ بل الرغبات الشخصية والقسمة والنصيب، والله يجزى خير من وفَّق رأسين بالحلال.

--------------------------

1- من قصيدة للشاعر السعودي بندر بن سرور العتيبي - رحمه الله