ليبيا.. الفاجعة المنسية!

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

أثلج صدورنا الحراك العربي العربي والحراك الإقليمي الأخير بشأن تطبيع العلاقات (أي عودتها إلى طبيعتها)، وعودتها مع القُطر السوري الشقيق، بعد قطيعة دامت لأكثر من عقدٍ من الزمان، استنزفت فيها الكثير من الموارد والدماء والعواطف العربية الجياشة التي انقطعت قسرًا بين الأشقاء، وكانت فرحتنا لا تُوصَف كذلك بعودة العلاقات الطبيعية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، لما لهذه العودة من تداعيات إيجابية على المنطقة بأسرها وعلى كافة المستويات: السياسية، والاقتصادية، والأمنية.

هذه الحلحلة السياسية والحراك الإيجابي في المنطقة من دمشق إلى الرياض إلى طهران إلى تونس إلى صنعاء إلى الدوحة فالمنامة، تدفعنا للتساؤل عن سبب إغفال العرب لفاجعة ليبيا والأشقاء الليبيين، وما مصلحتهم في ترك ليبيا جرحًا نازفًا مفتوحًا وإلى ما شاء خصوم الأمة وأعداؤها؟! وأقول فاجعة لأنها بالنسبة لي هي كذلك في توصيف الحالة الليبية وتداعياتها على الأرض. فليس هناك أي مصلحة للعرب في التخلي عن ليبيا في هذا الظرف العصيب على وجه التحديد، خاصة وأنَّ غيابها بيَّن حجم الاختراق الصهيوني والإرهاب الدولي المخترق للقارة السمراء بعد أن كانت ليبيا بزعامة العقيد معمر القذافي صمَّام أمان للقارة، ومن خلالها للأمن القومي العربي.

فاجعة ليبيا لم تكُن لتتفجر بهذا العنف والتشظّي لولا رعاية بعض العرب، وعبر ما كنا نعتقده ونسميه بـ"بيت العرب" وهي الجامعة العربية، فلولا طلب الجامعة وضع ليبيا في بداية الأحداث التآمرية عليها تحت البند السابع، لكان وضع ليبيا اليوم مختلفًا تمامًا عما هي عليه الآن. فلأول مرة في التاريخ تطلب الجامعة العربية طلبًا غريبًا وعجيبًا كهذا، والهدف منه تدمير دولة عربية حيوية وفاعلة وتسليمها للناتو وزبانيته من ميليشيات الإرهاب والخارجين على القانون بالأمس القريب، وجعلها بيت مال لتنظيم الإخوان ومن على شاكلتهم من المتأسلمين.

قد يقول قائل إنَّ الوضع الليبي يخُص الليبيين أنفسهم، وأن شتاتهم ناتج عن عدم توافقهم، وقد يقول آخر إن القضية الليبية تم تدويلها منذ عامها الأول ولم يعد هناك مجال لأي جهد وطني ليبي أو مسعى عربي. والحقيقة أن قضايا المصالحات الإقليمية اليوم جميعها ذات طابع دولي، والمساعي التي بُذلت للتطبيع مع سورية وإيران وطيّ ملف الحرب في اليمن لم ترق بلا شك للبعض من المتنفذين في الغرب، لكنهم بلعوا الواقع وتفهموا مقتضيات ذلك الحراك وتداعيات الأزمة الأوكرانية وما أحدثته من ارتدادات سياسية واقتصادية عنيفة في جغرافيات مختلفة حول العالم. ولم يتوقف تأثير الأزمة الأوكرانية عند السياسة والاقتصاد؛ بل حرَّض المترددين للتسلح بإرادات سياسية جديدة للدفاع عن مصالحهم، وملأ شواغرهم وتوظيف ممكنات دولهم ليصبحوا أرقامًا وازنة على خارطة التأثير والأحداث في العالم.

هذا الواقع هو ما يَدفعنا للتساؤل عن سبب تقاعس العرب تجاه ليبيا، وهم يعلمون أن الكثير من أوراق أزمتها بأيديهم، وأنَّ من الخطأ تسليم مصير ليبيا للغرب أو لمنظمات تسمى دولية وهي في حقيقتها أدوات سياسية للغرب.

آن الأوان لأن يعترف العرب بجنايتهم على ليبيا والليبيين، وأن يتحلُّوا بالشجاعة التاريخية، فكما تداركوا خطاياهم في اليمن وسوريا، يمكنهم تدارك الوضع الليبي ووضع حل عربي ونهائي له؛ حيث لا يمكن لعاقل واحد أن يتصوَّر أو يصدق أن الغرب أسقط النظام والسياسات السابقة بليبيا ليسمح بقيام مثيلًا لها في ليبيا الغد.

وبالشكر تدوم النعم...،

---------------------------

قبل اللقاء.. ما زال بعض العرب لم يدركوا حجم العداء الغربي ومُخططه للأمة العربية قاطبة، وما زالوا ينظرون إلى الغرب الاستعماري على أنه نصف شيطان ونصف ملاك!