علي بن سالم كفيتان
عندما نوقشت إستراتيجية ظفار العُمرانية في مجمع السلطان قابوس للثقافة والترفيه، لم يُدعَ الكتاب ولا المفكرون أو أحد من النخب المهنية غير المحسوبة على جهات بعينها؛ كالأطباء والمهندسين والجيولوجيين والبيئيين وعلماء الاجتماع وغيرهم، ولا أعتقد أنَّ المجتمع المحلي كذلك حَظِي بالفرصة الكاملة في تلك الندوة التي كانت على ما يبدو تدويرًا للفكر الحكومي الذي أنتجها.
فقد دأبتْ الجهات الرسمية فيما سبق على صناعة محتوى أساسي في دهاليزها، ومن ثم تأتي مرحلة منح ذلك المحتوى الغطاء الاجتماعي من واقع كشوف دعوات قديمة هي في الأصل لحضور مناسبات عامة تتعلق بالبريستيج الاجتماعي أكثر منها لمناقشة نقاط دقيقة ومفصلية يترتب عليها إستراتيجيات للمستقبل. وهنا نحن لا نقلل من قيمة من حضر، لكننا نلفت عناية القائمين على مراجعة وتصحيح خطوات إستراتيجية عُمان العُمرانية لأهمية وضع ذلك في الاعتبار مستقبلًا.
مُنحت ظفار بوابة رئيسية من البوابات الخمس المعتمدة لإستراتيجية عُمان العُمرانية، وسُمِّيت بوابة صلالة الكبرى؛ تضم ولايتي صلالة وطاقة، وفي الوقت الذي أخذت فيه بقية البوابات العُمانية هويات محددة لم تتضح لي هوية صلالة الكبرى هذه، فهل المقصود بها واجهة سياحية؟ أم زراعية؟ أم اقتصادية؟ أم لوجستية؟ أم غير ذلك؟ ولا نعتقد أنَّ الامتدادَ الشريطيَّ لهذه الواجهة هو الحل الأمثل في ظل مقومات الأرض والإنسان والطبيعية والظروف الموجودة على الأرض اليوم، فما بالكم بالمدى المتوسط والبعيد. ولن نبالغ إذا قلنا إن عامل تغيُّر المناخ بات حاسمًا في مختلف دول العالم عند التخطيط الإستراتيجي، ونعتقد أن هذا المؤشر تم إغفاله في حالتنا؛ ففي ظل قراءات تؤكد نشوء حقبة مناخية جديدة منذ بداية الألفية الثالثة بدأت بالعاصفة الاستوائية 2002 التي ضربتْ ظفار وصولًا الى إعصار "مكونو 2018"؛ حيث بينت المعطيات بجلاء أنَّ هذه الرقعة ستتعرض للعواصف والأعاصير، وسيرتفع فيها منسوب تداخل مياه البحر على حساب اليابسة؛ مما يعني أنَّ سياسة الفعل ورد الفعل لن تُجدي نفعًا على الأمد البعيد، فإذا كانت بوابة صلالة الكبرى وما جاورها تغرق مع أول زخة مطر من المحيط، لا يمكننا الحديث عن تفكير إستراتيجي بعيد المدى.
تُمثل ولاية ثمريت نقطة المركز لمحافظة ظفار؛ حيث تلتقي فيها الجهات الأربعة وتعتبر الكتلة العمرانية الثانية بعد صلالة مع أفضلية من حيث الموقع الجغرافي المثالي والأمان المناخي والصحي للعيش والامتداد في جميع الاتجاهات، إضافة لكونها أصبحت الوجهة الرائدة لمشاريع الطاقة المتجددة في سلطنة عُمان؛ حيث الظروف المثالية لطاقة الرياح والطاقة الشمسية. هذه الولاية الطامحة لأداء دور محوري في مستقبل عُمان الزاهر تتواجد بها بنية أساسية شبه جاهزة لمطار دولي، وحسب المؤشرات الصحية تشكل ثمريت فضاءً واسعًا يمكن أن تتبدد فيه شتى أنواع الملوثات بسهولة ويسر دون إحداث ضرر بالغ على الإنسان، كما باتت الولاية اليوم وجهة لمشاريع الأمن الغذائي؛ كالمشاريع الزراعية والحيوانية في ظل توافر مخزون مائي واعد، إضافة لمناطق امتياز النفط والغاز والمعادن؛ فهذه كلها تمثل نقاط قوة تجعلنا ننظر لثمريت بعين مختلفة في العهد الجديد. ولا نبالغ إذا قلنا إنه يمكن لثمريت أن تكون محاكاة رائعة لمدينة الرياض السعودية مع ميزة قربها من المحيط، كواجهة للتجارة الدولية وإمكانية إعادة تخطيطها بشكل مثالي، بحيث يمكن رسم واحدة من أجمل المدن في جزيرة العرب التي تربط شمال الخليج بجنوبه، إذا فتح خط بري جديد مع المملكة العربية السعودية، وستشكل كذلك همزة وصل مُهمة بالخط الدولي إلى جمهورية اليمن، فنرجو ألا تضيع علينا المزيد من الفرص.
لقد بيَّنت الأيام أنَّ إنسان البادية شكَّل منبعَ الكرم والجود، ومعينًا للأعراف والتقاليد الراسخة، ورمزًا للتمسك ببيئته؛ فرغم كل الظروف والمغريات عمَّر أهل ثمريت ولايتهم بشتى السبل لتصبح مصدرَ جذب، فصمدوا في وجه النزوح؛ بل وأقاموا مدنًا جديدة قابلة للنمو والحياة كما هو في منطقة "روية" وغيرها، وجندوا أموالهم وجهدهم لبناء واجهة حضارية جديدة في ظفار، وهم بتوفيق الله من زرع البادية لتصبح سلة غذاء واعدة لعُمان، وهم الذين تمسكوا بها كأحد أسواق ظفار التاريخية ومحطة خالدة لقوافل اللبان العُماني، وهم الذين شكلوا على مر التاريخ أوتادًا مكينة للدولة العُمانية لم تزعزعها المصالح ولم يغيرها الزمن.
عندما أنظر إلى ثمريت اليوم ولا أجد بها سوى مركز صحي بمُسمَّى مستشفى محلي، أشعر بخيبة أمل كبيرة، وعندما نرى تأخر مشروع ازدواجية "هيماء-ثمريت" نسأل: لماذا لا تزال هذه العثرة صامدة في وجه سياحتنا الموسمية ونمونا الاقتصادي وانطلاقة هذه الولاية الراسخة في عمق الصحراء؟ والأشد غرابة أنْ نجد ثمريت ضمن الإطار الهامشي لبوابات عُمان الحديثة؟.. لا شك ثمريت تستاهل الأفضل.
وحفظ الله بلادي...،