خسائر الشركات الحكومية

سعود بن حمد الطائي

الخسائر المالية لشركة الطيران العماني والتي وصلت إلى 1.3 مليار ريال خلال الفترة من (2015- 2019)، كانت صادمة في حجمها، ومن قبلها كانت خسائر أخرى مُنيت بها شركات التعدين والأسماك وشركات الأمن الغذائي وغيرها.

الواضح أن هذه الخسائر ناتجة عن خلل في الإدارة وليس في قطاع الأعمال؛ فالكثير من الشركات العاملة في القطاع الخاص وفي أنشطة مُماثلة تُحقق أرباحًا وتنمو بصورة جيدة في كل عام، وهذا دليل على صحة وحيوية قطاع الأعمال في السلطنة. الغريب في الأمر أن أسعار تذاكر الطيران العماني أغلى من شركات الطيران الأخرى، ورحلاته دائمًا محجوزة بالكامل، فمن أين يا تُرى جاءت تلك الخسائر الفادحة؟ ولماذا لم تُتخذ إجراءات لوقف النزيف منذ فترة طويلة؟ وقد تُرك الحبل على الغارب وظلت الخسائر تتفاقم في كل عام. الأمر نفسه يسري على معظم الشركات الحكومية المتعثرة الأخرى، والتي أفصحت نتائج أعمالها عن خسائر وتآكل في رؤوس أموالها.

المبادرة التي أعلنها وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات عن تعيين خبير لتحليل نتائج الأعمال وتقديم توصيات للحد من الخسائر وضمن برنامج زمني محدد، بلا شك هي الخطوة الأولى على الطريق الصحيح، ومن الأفضل تعيين خبراء آخرين لتحليل أسباب خسارة جميع الشركات الحكومية الأخرى، والخروج بتوصيات واضحة لإعادة تنظيم هذا العدد الكبير من الشركات التي وضعت الدولة عليها آمالًا كبيرة للمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني واستيعاب المزيد من الباحثين عن فرص عمل من المواطنين.

الحاجة باتت ماسّة لوجود جهة حكومية مشتركة مع القطاع الخاص تتولى إدارة ملف الشركات الحكومية بأكملها؛ فهذه الشركات إذا تم إصلاح أوضاعها، ستصبح روافد ناجحة للاقتصاد الوطني، وتعزيز دورها وإعادتها إلى المسار الصحيح سيجعل منها أدوات ناجحة لتحقيق الأرباح وخلق المزيد من فرص العمل، لا سبما وأن معظمها يعمل في قطاعات اقتصادية واعدة ومهمة.

وبقاء واستمرار الشركات الخاسرة يمثل نزيفًا للأموال وضياعًا للآمال المعقودة، ولا بُد من جهة تتولى إعادة تقييم ذلك ومعرفة أسباب خسائرها وحصرها وتحليل ميزانياتها المالية، وهذه الجهة يُفترض أن تكون مُستقلة وبعيدة عن الضغوط والتدخلات، وأن تتمتع بصلاحيات واسعة وتعمل من خلال برنامج محدد وأهداف واضحة.

والأهم من ذلك أن تكون هذه الجهة مشتركة في عملها بين القطاعين العام والخاص، وأن يكون أعضاؤها من الذين يتمتعون بالخبرة والتجارب في معالجة هذا النوع من الشركات، دون التوسع في عدد الأعضاء حتى لا تتشتت الآراء وتضيع الأهداف. وأن تكون أولى خطواتها حصر جميع الشركات الناجحة والمتعثرة وتحليل جميع ميزانياتها المالية، ومعرفة حجم الخسائر وأسبابها، ما إن كانت مالية أم إدارية، إلى جانب إعداد تقرير يحدد إمكانية إعادة الحياة لهذه الشركة أو تصفيتها للحد من تفاقم الخسائر.