لو كنتُ مسؤولًا (2)

 

د. خالد الغيلاني

 

ما زال ذلك التفكير يُراود الكثيرين ممن لديهم طموحًا في بلوغ مناصب أعلى مما هم عليه، وهذا حق مشروع؛ بل هو من لوازم البذل له، ذلك أن الإنسان ما لم يكن طموحا شغوفا ببلوغ مراتب عالية في عمله فإنه أقرب لأن يكون عبئا ثقيلا لا رجاء من تطويره وتنميته.

فالطموح والرغبة والشغف بالترقي الوظيفي دوافع للبذل والإبداع والعمل الجاد، ومحفز لتطوير العمل وبلوغ الأداء مستويات عالية من الإنجاز المصحوب بالجودة والاتقان.

وإن كان هذا الطامح للمسؤولية في المقال السابق، يؤكد على أدوار فرق العمل وأهميتها، فإن أكثر ما يجب أن نخشى منه الاعتماد على "الشللية"؛ وهذه آفة من آفات العمل، وسبيل لكل مفسدة، وكم من مؤسسات اختل العمل فيها لقيام المسؤول بالاعتماد على مجموعة بعينها "شلة"، فكان الأمر وبالًا على العمل والأداء، وخللًا في تحقيق المصالح العامة.

وهذه الشلة مجموعة من الأفراد من داخل المؤسسة أو خارجها، ومن مسميات مختلفة تجمع بينهم علاقات يغلب عليها طابع المصلحة الخاصة.

واعتماد المسؤول على شلة بعينها تشاركه القرار، وتعمل كل ما في وسعها ليكون راضيا عنها، معتمدا عليها، لا يستمع لغيرها، فيه ما فيه من المثالب والإشكاليات.

ومن سلبيات ذلك شعور العاملين بالمؤسسة بالغُبن وعد الإنصاف؛ فكيف يستطيع الشخص العمل في جو تتسيد الشلة القرار فيه، وتتحكم بنظام العمل، وتصدر الأحكام من منطلق القرب والبعد لا من منطلق العمل والبذل.

كما إن هذا الأمر يقتل الإبداع، ويحد من الإنتاجية، ويسهم في هدر الطاقات، واستغلال القدرات على غير النحو المأمول منها.

والاعتماد على الشللية يُقلل من مكانة المسؤول، وقدرته على اتخاذ القرار، ويضعف من إمكانية إدارته لمؤسسته، الأمر الذي يقود إلى التكاسل، والعبثية في العمل، والإهمال، وكثرة الاعتذارات وسوء الإنجاز.

والشللية نوع من الفساد المؤدي إلى الإفساد، وضرب من ضروب تعطل التنمية، وتأخر التطوير. ومن خلالها تنتشر الواسطات وتكثر الشفاعات، فيختل ميزان النظام، وتتضارب المصالح، ويترقى غير المستحق.

 

وبالتالي فإنك أيها الطامع الساعي لأن تكون مسؤولًا، عليك تجنب مثل هذا المسلك ومحاربته، واتخاذ الحوكمة على حقيقتها مرتكزًا تعمل من خلاله، وتعتمد عليه، وبالتالي يكون النظام هو مناط الأحكام، وأساس اتخاذ القرارات.

ويقترب الموظفون منك بقدر العطاء والبذل، وعلى أساس الاختصاص والعمل، ويكون التفاضل بينهم منطلقا من الإبداع والتجديد والتطوير وتنمية المهارات وصقل المواهب ورعاية ذوي القدرات.

وليشعر الموظف أنه عنصر فاعل منتج، وعضو تعتمد عليه المؤسسة، وأن رفع معدلات الإنتاج هو الهدف المنشود. وأن تكون أيها المسؤول صاحب قرار تقبل الرأي وتعتمد المشورة وتستفيد من ذوي الخبرة، وترفع مستوى القدرات لدى موظفيك. حينها فقط تستحق أن تكون مسؤولًا ونتمنى أن تكون كذلك.