شكرًا بوتين!

فايزة بنت سويلم الكلبانية

faizaalkalbani1@gmail.com

ما حدث خلال ما يزيد عن عام مع اشتعال الأزمة الأوكرانية، وصلابة الموقف الروسي بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، في وجه الهيمنة الغربية وتحديدا الأمريكية على العالم، سواء في الجوانب السياسية أو الاقتصادية، يدفعنا للقول "شكرًا بوتين"، لأنك ساعدت العالم على التخلص من هيمنة القطب الأوحد (أمريكا)، وساهمت بطريقة أو أخرى في وضع حجر الأساس لنظام عالمي جديد قوامه المصالح الوطنية للدول والشعوب، لا تلبية مصالح الغرب وحسب!

الأمر لم ينحصر عند الجانب السياسي أو العسكري، بل امتد للقطاع الاقتصادي، فها هي دول تحالف أوبك بلس تنفذ ما يُحقق مصالحها وليس مصالح أمريكا، وها هي المنظمات الدولية مثل منظمة شنغهاي وتحالف آسيان وتحالف بريكس، وغيرها من التحالفات تتعاظم أدوارها، بفضل إدراك الجميع بأن عصر الهيمنة الأمريكية والأحادية القطبية قد ولّى بلا رجعة.

ولذلك نستبشر خيرًا عندما نرى قيادات بعض الدول العربية المنتجة للنفط تسعى لتقديم مصالحها الوطنية في المرتبة الأولى، وبالجانب الآخر تتجه إلى الاتحاد لحل الخلافات التي تعد سبباً رئيسًا للكثير من التحديات والنزاعات والحروب فيما بينها، وآخرها السلام السعودي الإيراني ولعل هذه بوادر لتستيقظ الدول العربية من سباتها الطويل لتواجه ما يحيط بها من أخطار ومؤمرات لها التأثير السلبي على أوضاع المنطقة عامة والدول ذاتها خاصة.

ومن الملاحظ أيضًا أن أغلب الدول العربية المنتجة للنفط، والتي أعلنت عن تخفيض طوعي في إنتاج النفط بنحو 1.071 مليون برميل يوميًا وهي: السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان والعراق والجزائر، هي ذاتها واقعة تحت أزمة الديون، وتتفاوت الأسباب في ذلك قد يكون بسبب الأزمات المتلاحقة أو سوء الإدارة، ولا ننسى المؤامرات التي تحاك لزعزعة استقرار واقتصاد وحياة البعض منها ضمن مبدأ "فَرِّقْ.. تَسُدْ". وهناك في المقابل دول أخرى منتجة للنفط تعاني من تحديات اقتصادية عنيفة، ربما تصل بها إلى حد الإفلاس، مثل فنزويلا أو ليبيا أو نيجيريا.

اليوم توجد فرص عظيمة لدى الجميع لتعديل الأوضاع، والعودة التدريجية للانتعاش الاقتصادي في ظل ارتفاع أسعار النفط نتيجة لهذا الاتفاق الطوعي للدول الخمس في أوبك بلس، حيث إن هذا التخفيض الطوعي للإنتاج يضاف إلى تخفيض الإنتاج الذي اتفق عليه في الاجتماع الوزاري الثالث والثلاثين للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها (أوبك بلس)، وحسبما أكد الخبراء الاقتصاديون فإن "هذه الخطوة هي إجراء احترازي يهدف إلى دعم استقرار أسواق البترول".

الجميع مستبشر خيرًا، ويتوقع أن يكون هناك ارتياح مالي تترقبه دول الخليج، نتيجة لخفض إنتاجها للنفط، لا سيما وأن من المتوقع أن يكون لارتفاع أسعار النفط دور حيوي في تغطية العجز في الميزانيات، والتي ستساعدهم على سداد الديون، وإنعاش الأسواق المالية وتعزيز الاقتصاد والميزانيات ولاسيما بعدما توالت عليها الأزمات وضغوط فترة انتشار كوفيد-19. ومن المحتمل أن تكون نتائج زيادة ارتفاع أسعار النفط قادرة على تغطية المفقود من خفض الإنتاج في ظل القفز الذي تحققه أسعار النفط حاليا، هذا إلى جانب ما يعزز الجانب المالي والاقتصادي لسلطنة عمان نتيجة لتثبيت التصنيف الائتماني الإيجابي عند "BB"، ويعد التصنيف الصادر من وكالة "ستاندرد آند بورز"، لما له من عوائد على تعزيز بيئة الاستثمار والسمعة الإيجابية للوضع العام الذي سيساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتوجيه السيولة نحو المزيد من المشاريع التي ستعزز الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب المساهمة في خلق فرص عمل قادمة.

وختامًا.. يتعين على دول "أوبك بلس" العمل بشكل جماعي وتجاوز الخلافات العبثية السابقة التي أهدرت علينا الكثير من الثروات، لا سيما وأن كل الدول النفطية تعاني من مديونيات، وبات الحل في صعود الأسعار وتعافيها للمستويات التي تحقق الاستقرار المالي، مع السير في خط موازٍ لبناء اقتصادات متنوعة وقوية.