علي بن مسعود المعشني
يقول الصهيوني ديفيد بن جوريون 1886- 1973 (رئيس حكومة العدو بين السنوات 1948- 1954 و1955- 1963): "إن هزيمة إسرائيل في حرب واحدة مع العرب يعني زوالها".
لم يدرك بن جوريون عقود الهزائم المتلاحقة لكيان العدو، كما لم يستوعب خلفاؤه معنى مقولته والمؤشرات التراكمية لها، ولم يقرأ النظام الرسمي العربي حقيقة هذا الكيان، ولم يُدرك بعد مهمة هذا الكيان ووظيفته لهذا بقي النظام الرسمي العربي يُهدي الكيان الانتصارات السياسية بعد كل هزيمة عسكرية أو نفسية له، ويمده بالحياة بلا وعي على اعتبار أن كيان العدو لا يُقهر وتقف خلفه أمريكا المُمثلة "للقضاء والقدر" في اللاوعي الرسمي العربي.
الكيان الصهيوني بين نارين اليوم، نار الوظيفة التي أُنيطت له من قبل الغرب، ونار البقاء على أرض يزداد لهيبها تحت أقدامه كل يوم، وزادته نار ثالثة اليوم تتمثل في تولي الغلاة والمتطرفين قيادته بزعامة كذّابهم الأكبر نتنياهو.
هذا الكيان العبثي لا يعلم حدوده، ولا يعلم مفردات ما يُسمى بـ"أمنه القومي"، ولا يعلم هل مصلحته في خوض الحروب مع العرب أم في التطبيع و"السلام" معهم؟!
الكيان يهرب من السلام وحل الدولتين؛ سواء عبر اتفاقيات منفردة مع السلطة الفلسطينية مثل اتفاق أوسلو وأخواتها، أو عبر مُقررات القمة العربية ببيروت عام 2002؛ لأن "السلام" على ركاكته وهشاشته وغُبنه للحق العربي، إلّا أنه في النهاية يتعارض مع مهمة ووظيفة الكيان في التغلغل في الجسد العربي وتعطيل أي تضامن عربي أو مشروع نهضوي عربي. فهذا الضجيج السياسي والأمني للكيان سيتعطل ويتوقف في حالة سلام فردي أو جماعي، وسيفقد الكيان وظيفته وذريعة أمنه المزعوم والتي بفعلها يُعربد ويصول ويجول في جغرافيات العرب وماحولهم كذلك ويستدر التعاطف والأموال من خزائن الغرب.
هذا الكيان الوظيفي لمن لم يفهمه بعد من عرب اليوم، هو مشروع غربي في سياق حرب الوجود الحضارية المُستعرة بين الأمة العربية والغرب، وليس كيانا سياسيا محتلا ومعلوم الأركان والقواعد، وكما هي الكيانات السياسية المتعارف عليها والمُعرفة وفق القانون الدولي ونظريات وقواعد العلاقات الدولية.. لهذا تجده خارج سياق القانون والمنطق والمتعارف عليه، فهو كيان لا يقبل بسلام على طرق السلام المتعارف عليها بين الدول، ولا يقبل بتمثيل دبلوماسي وفق قواعد وأعراف الدبلوماسية الدولية، ولا يقبل بعلاقات وفق قواعد العلاقات بين الدول؛ بل يشترط كل ذلك وفق هواه ومصالحه هو وبما يتناسب مع وظيفته ومشروعه فقط لا غير، بما يعزز من غطرسته ويكرّس هيمنته وتفوقه وسيادته ويبرر تدخله في كل شيء وتجسسه على كل شيء في البلدان التي استباحها عبر التطبيع والسلام وتبادل التمثيل الدبلوماسي. لذا نجد الكيان الصهيوني في حيرة كبرى وتحديدًا اليوم ومفصل تاريخي حاد على مفترق طريق، فخياراته جميعها مُرة، فإما القبول بالسلام، وبالتالي توقف نموه وغطرسته وسقوط ذرائع أمنه، أو الإبقاء على جبهات الحرب والصراع مع العرب جيلًا بعد جيل، وتصدع جبهته الداخلية وتفتتها تدريجيًا حتى زوال الكيان وتلاشيه.
الكيان الصهيوني يتآكل من الداخل كما لم يشهد من قبل؛ فالتطرف بداخله يزداد بصورة ملحوظة، وهذا التطرف لم يعد ضد العرب؛ بل امتد ليشمل مكوّنات بداخل الكيان نفسه، بين مُتدين وعلماني ومُلحد ويهود شرق ويهود غرب، وبين دعاة صهيونية ودعاة يهودية، وبين خطاب ديني مشوه وخطاب علمي مزلزل لأباطيل قام عليها الكيان وبرر احتلاله لفلسطين، وزاد الطين بلة اليوم تمرد العسكر الصهاينة وتزايد أعداد الرافضين للخدمة العسكرية، بعد أن كانت المؤسسة العسكرية الركن الأوحد للكيان وعمقه الاستراتيجي وذراعه القوية.
الآن هناك من يتحدث بصوت عالٍ داخل الكيان بأنَّ ما يسمى بـ"إسرائيل" لم تعد أرض ميعاد آمنة؛ حيث الهجرات العكسية هي الحل والسمة الغالبة على الصهاينة، كما إن السلام في نظر هؤلاء سيسقط شعار ونظرية "من الفرات إلى النيل" التي تشدق بها الكيان لعقود.
الكيان الصهيوني اليوم وبمنطق الديموغرافيا، سيتضاعف فيه عدد السكان العرب بحلول عام 2050، وهذا نذير شؤم كبير لهم، فماذا لو عاد فلسطينيو الشتات إلى بلادهم؟! هذا الكيان محكوم بالزوال، بفعل الجغرافيا والتاريخ، وبفعل الديموغرافيا والآيديولوجيا والتكنولوجيا كذلك، ولم يُصدم الكيان بسكانه وقادته كصدمتهم من الرفض الشعبي العربي لهم خلال وجودهم لتغطية فعاليات كأس العالم الأخيرة بالدوحة؛ حيث لمسوا دنو أجلهم بحق.
قبل اللقاء.. كان الكيان فيما مضى يُعاني من مُحيط الكراهية حوله، أما اليوم فيعاني من محيط الكراهية والمخاطر التي تحيط به معًا من الداخل والخارج.
وبالشكر تدوم النعم.