يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"لا يتحدث الناس عن من لم ينتصر أبدًا، فقط إذا انتصرت، فسوف يتحدثون عنك". تي. دي. جايكس
-------------
للفكر، أي فكر إنساني، أفكار يفكر بمداها، وامتدادها، وأثرها وتأثيراتها، الفكر هو المسير للإنسان، أيًّا كان هذا الفكر ومدى الحُسن فيه والسوء، بالنهاية نحن أمام إنسان له فكر وأفكار بغض النظر عن ماهيتها، هناك من يعتقد بصحة مايفكر به وأنه هو السليم الفكر وغيره لا يفقهون أو لا يملكون فكرًا، هنا نتحدث عن نرجسية مدمرة.
أتذكر أن أحدهم ضيّع رفقاءه أثناء رحلة لأداء مناسك العمرة بمكة المكرمة، وحدث أثناء الازدحام أن الرفقاء اختفوا، وأخذ يبحث عنهم ولم يجدهم، فقرر سؤال أحد رجال الأمن المنتشرين حول الحرم المكي الشريف، فقال للعسكري: أنا أبحث عن رفقائي الذين ضاعوا فهل أجد عندك حل، فأبتسم العسكري وقال له: بل أنت الضائع هم مجموعة وأنت لوحدك، أبق هنا لنبحث لك عن حل!
للحياة أوجه متعددة، وحالات متجددة، تدفع الإنسان من حال إلى حال، وتقلب الأحوال، وتشتت الأفكار، وتنهك التواصل، وتبعثر التفكير، علامات قد تؤدي لوحشة في الفكر، وتزامن في المشاعر، واختلال في الشعور، إذ إن العلاقات الإنسانية هي حياة موازية لحياة الإنسان، فكل علاقة هي حال لوحده له أحواله ومتعرجاته، فلا نملك استمرارا أو توقفا، تأتي الرياح أحيانا بما لا تشتهي السفن، وتبقى الذكرى، وما مضى من ذكر طيب هو في النهاية رأس مال العلاقة، أية علاقة إنسانية.
على قاعدة قوله تعالى: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ( البقرة: 216)، أستقبلُ بعض الأخبار أو المواقف، ومن خلال تجارب شخصية ليس كل ما تحرم منه شر أشر، وليس كل متناول خير، تعلمت من الحياة أنه ليس كل من يفارق كارها، بل قد يكون مكرها بحسب الظروف، والعكس صحيح، هناك أناس يكتب الله معهم الابتعاد لكن مكانهم في سويداء القلب باقٍ ومترامٍ، هذه هي ظروف العلاقات وهذه منتهياتها، بين الأهل، والأصدقاء، والجيران، وزملاء العمل.
مما أسمع من كبارنا أن الناس سابقا كانوا لما يفترقون يتمسكون ويتعبون على عبارة واحدة هي: أستر على ما واجهت، ومعنى هذه العبارة الراقية هي أن الجيران لما يغادر أحدٌ منهم سكنه وودع جاره ذكره وطلب منه بأدب أن يستر على ما واجه، وكانت عبارة الرد هي: ماواجهنا إلا الخير.
وفي مجال الشعر أتذكر لابن زيدون:
إنَّ الزمانَ الذي ما زالَ يُضحكنا
إنساً بقربكم قد عادَ يبكينا..
لا تحسبوا نأيكم عنَّا يُغيرنا
إذْ طالما غيَّر النأيُ المحبِّينا..
واللهِ ما طلبتْ أرواحنا بدلاً
منكم ولا انصرفتْ عنكم أمانينا..
في هذه الحياة الفانية لا يبقى سوى الذكر الطيب، ليس سهلًا أن تترك أثرًا طيبًا، وليس متاحًا لأي كان الاستمرار في التواصل مع الناس، او حتى التوقف الذي يتوحش به الفكر، وتستشعر الأفكار غمار الابتعاد، وهذا هو حال الدنيا عاشر من تعاشر فلابد من الفراق كما قال الأولون.
*****
نقطة:
أتقدم بخالص التهنئة لجميع من يقرأ هذه الكلمات بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، أسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل شر، وأن يجعلنا ممن صام الشهر، وأدرك ليلة القدر، وفاز بالثواب والأجر في هذه الأيام المباركة.