عائشة السريحية
حدثني الشيخ فلتر، يحكي عن واقعه المُفلتَر وقال: ولدت فجأة دون سابق إنذار، لا أم تحنو ولا أب يمنعني من الفرار، فكبرت ضائعًا ما بين جليد ونار، فتارة أبدو كدُبٍ، وتارة بأذنيْ حمار، يضحك على شكلي الكبار والصغار!
وفي ذات يوم مشؤوم، حين اكفهرت السماء وتلبدت بالغيوم، تلبسني تيار مجنون، فما عرفت أهو مارد غضوب أم عفريت حنون؟! ففقدت صوابي لحد الجنون، فلا أقارب ينفعون أو أصدقاء يشفعون، فاستلني كما يستل سيف من جرابه، أو لعبة بيد طفل فقد صوابه، وضرب بوجهي كل معمور وخرابة، فقلت يا هذا مالك ومالي، أسألك بالله اتركني لحالي، فرق لي أو هكذا بدا لي، فهون من ضربه بالشمال واليمين، واتكأ على جهاز كالعرجون القديم، وضحك ضحكة المُنتصر الحليم، ورأسي يدور كبعير ساقية سقيم، ثم قال الماكر اللئيم: إنك يا فلتر موضة العصر، وقابل للطرق والتشكيل والعصر، وسأستنسخك بلا عدد أو حصر، وسأسكنك الأكواخ والقصور، وأجعلك سيد العصور، ويحبك المتواضع والمغرور، ويكشفك الذكي ويبكيك المغدور، فأمسكت رأسي من هول ما جرى لي، فبكيت لعله يرأف بي، فأنا فلتر لا قيمة لي، وربما كان هذا أجلي، فإذا به يصنع من بكائي دمية قبيحة، ويجعلها وقحة صريحة، وزرعها في الانستا، والسناب، وجعلها غطاء للبكاء والعذاب، فرمقته بنظرة العتاب، وخطرت ببالي فكرة رقمية، ستقيني الشر والمنيّة، أو ليس لي حق أن أشاركك أيها التيار في الأسباب، ونشارك بها الأصحاب والأحباب، وبدلاً من الضرب والتهويل، ووجوه الصراخ والعويل، لنوزع الجمال، ونخفف العناء والأحمال، فيسكن رأسي من جنونك، وترتاح أنت من ظنونك، ونتشارك الربح والسعادة، وأنعم أنا بالراحة، ولا غير الله علينا عادة.
ففرك ذقنه المكهرب قليلاً وقال: رحم الله أيام البكسل، كان ساكتًا يتحمل، أما أنت أيها الفلتر، فأصبحت ابنا للذكاء الاصطناعي، تشتكي دون داعٍ، ولا لتعب الغير تراعي، وما بين أخذ ورد، وجذب وشد، ومعايرة بالأب والجد، خلصنا إلى نهاية الحوار، فالوقت غالٍ ولم نطق الانتظار، فتصافحت أمامنا الشاشات، وتبلورت أمامنا الشفرات، وقررنا ما هو آتٍ:
أن الأنف الكبير نصغره، والوجه الضيق نؤطره، فلا جرح أو كدمة نظهرها، وكل عين صغيرة نوسعها، وأن نكبر الشفاه والخدود، ونضع للوجه قياسات وحدود، ونغير للعيون ألوانها، وللرموش أطوالها، وللحواجب أشكالها، وبدأت الرحلة منذ ذاك الاتفاق، وزاد البذخ والإنفاق، وأصبحنا مصدرًا للأرزاق، وضاعت الوجوه في التشابه، وأصبح التمييز بينها بالعلامة، فلان كفلان إلا أن لديه شامة، وفلانة تبدو كأنها فلانة، فقال لي يا فلتر الوسيم، لقد زاد الماء على الطحين، وأصبحت أنت الزعيم، وسحرت النَّاس بخبث أثيم، وما عاد يرضيني وضعك السقيم، فغضبت غضبة الفلتر المحمر، وأصبح خداي كفلتر الصيف المسمر، فقلت وإلى أين المفر؟ وأنا أرضك والمستقر، وأنت من دوني في خطر، فضحك ضحكة شريرة، وقال بنبرة خطيرة، يا ابن الذكاء الاصطناعي، ما عليك سوى الانصياعِ، ولولاي لما وصلت للنجوم، ووضعت الغشاوة على العيون، وبعت الكذب على مرأى ومسمع، وأصبح الكل يخشى صورته بدونك أن تطبع.
لكني أقول: أنا تيار ملول، وأعشق اللعب على العقول، والربح مع طب التجميل أفضل، وسأكون هناك أغنى وأجمل، كأشعة تحت حمراء أو ليزر مفضل، هناك يلعب المشرط بذكاء، وتملأ الفواتير أسماء الرجال والنساء، وبالمال يعاد الترميم والبناء، فالعجوز تصبح أصغر، والقصير يطول والطويل يقصر، والأسمر يبيّض، والأبيض يسمرّ، والنحيل يسمن، والسمين يضمر، قص جفن قد تهدل، وشد خد قد ترهل، لصق ونحت وكسر وأكثر، فضحكت وقلت في ثقة المؤثر، فوالله يا تيار لو أعدت تركيب المبعثر، ولو أزلت كل عيب قد تجذر، ولو جعلت الملح سكر، لعاد الجمع زحفًا يبحثون عن الشيخ فلتر.