أين روح القانون؟

مدرين المكتومية

يدور الحديث كثيرًا حول تطبيق روح القانون لا نص القانون، لا سيما فيما يتعلق بالتعاملات اليومية التي تمس حياة المواطنين، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمعيشتهم، وبلا شك عندما نتحدث عن تطبيق روح القانون، لا نعني بأي صورةٍ كانت التهاون في تنفيذه؛ بل اتباع أسلوب اللين والتسهيل، بلا ضرر ولا ضرار.

الشاهد في هذه الفترة أننا نشاهد ونسمع شكاوى واستياء واسع من قبل بعض المواطنين فيما يتعلق بتخليص مُعاملاتهم في العديد من المؤسسات الحكومية؛ بل إن الأمر انتقل جزء منه إلى خارج هذه المؤسسات، فنجد البعض يتعمد التشدد في تطبيق نصوص القوانين أو اللوائح، بحجة أن هذا هو القانون، وعليك أن تقبل وتُنفذ مهما كان عذرك، ومهما بغلت حاجتك!

وعندما بحثتُ في كتب القانون واستشرت متخصصين، حول تعريف واضح لمفهوم "روح القانون"، وجدت أن المفهوم يعني ببساطة تطبيق المعاني التي تتضمنها القوانين بما يتواءم مع الفعل، وليس التطبيق الحرفي للنص، وأن روح القانون تعني كذلك "السلطة التقديرية" لمن بيده تطبيق القانون؛ سواء كان موظفًا أو شرطيًا أو قاضيًا.

وهناك منافع عدة تتحقق للدولة والمواطن عندما نُطبّق روح القانون، في مقدمتها تبسيط الإجراءات، وتحقيق المرونة في إنجاز المعاملات الحكومية، وتسريع وتيرة العمل، وزيادة الإنتاجية، والقضاء على البيروقراطية، وهذه الأخيرة واحدة من أبرز نتائج تطبيق روح القانون. فالكثيرون يعانون ويشكون من الإجراءات البيروقراطية التي تُثقل كاهل صاحب المعاملة، بزعم أن القانون يشترط ذلك، وبحجة أن الموظف لديه نص قانوني يُلزمه بتطبيق أمور بعينها. لكن في حالة قيام الموظف بتذليل التحديات وتطبيق روح القانون، سنشهد تطورًا كبيرًا في العمل الإداري على المستويات كافةً.

نرى بأنفسنا أن التطبيق الحرفي للقانون يسيء للصالح العام والمواطن، فمثلًا أحد المستثمرين تحدث إليَّ وأخبرني أن إجراءات مشروعه الاستثماري مُعطلة في إحدى الجهات الحكومية، لأنه لم يقدم مستندًا بعينه، في حين أن المُطالبة بهذا المُستند في هذا التوقيت غير ضرورية على الإطلاق، ويُمكنه أن يُقدم ذلك المستند في مرحلة لاحقة، لأنَّ استخراجه يتطلب وقتًا وإجراءات أخرى، لم يتمكن المستثمر من القيام بها في نفس توقيت معاملته! بل إنه في بعض الأحيان يرفض "النظام" الإلكتروني معاملة ما بسبب عدم إتمام واحدة من الخطوات غير الأساسية، بينما لو كان هناك خيار "تجاوَز هذه الخطوة"- على غرار ما نشاهده على مواقع الإنترنت- لكان خيرًا وأنفع للجميع.

الآن الحكومة مشكورة تسعى جاهدة من أجل تبسيط الإجراءات، وجلالة عاهل البلاد المفدى كثيرًا ما يوجه- أعزه الله- بتسهيل الإجراءات، خاصة تلك المرتبطة بالاستثمار والقطاعات الاقتصادية، لأن كل يوم بل كل ساعة تتأخر فيها معاملة المستثمر تكبده خسائر وقد تدفعه لإعادة التفكير في قرار الاستثمار من عدمه! وفي ظل الأوضاع الراهنة والتحديات التي تتزايد من كل اتجاه، والمساعي المتواصلة من أجل جذب الاستثمارات، لا بد من زيادة معدلات المرونة، فهذا أمر مطلوب لا سيما في الأوقات الصعبة، ولذلك من المُدهش أننا نجد بعض المسؤولين يعمدون إلى التطبيق الحرفي للقانون، متغافلين أهمية تطبيق روح القانون ومقاصده ومعالجة التحديات. وهذه المقاصد هي التي يجب أن تكون المعيار الحاكم، فإذا كان المقصد نافعًا للجميع ولا يسبب ضررًا لأحد ولا يخالف نصًا صريحًا أو يمثل جريمة أو مخالفة، فما الذي يمنع الموظف والمسؤول من تطبيق روح القانون؟!

وفي الأخير، نؤكد أن القوانين وُجدت لخدمة المجتمع أولًا، وتيسير الإجراءات وتنظيمها، لا تعقيدها، وأي نص قانوني أو لائحة ليست نصوصًا مقدسة؛ بل هي من صُنع الإنسان، ويمكن تعديلها أو إلغائها أو تفادي تطبيقها التطبيق الحرفي للنص، والعبرة في التطبيق المتزن والحكيم الذي يخدم الوطن والمواطن، وبذلك نجني جميعًا ثمار الخير وتحقق المنفعة، ويعُم الرخاء أنحاء وطننا الغالي.