لا تتدخل في ما لا يعنيك

مدرين المكتومية

نعيش في مجتمعات لا يمكن لأفرادها أن ينفصلوا عن غيرهم من البشر، يظلون طوال حياتهم يلاحقونك بأسئلتهم التي لا تنتهي، والتي لا حق لهم الحصول على إجاباتها، يُقحمون أنفسهم في كل شاردة وواردة، وكأن لهم الحق في معرفة تفاصيل كل ما تعيشه وما تتضمنه حياتك من أحداث ومواقف، يتدخلون بأسلوب مزعج وكأنَّ الحياة تقف عند توقعاتهم وآرئهم وملاحظاتهم، ولا يتوانون عن ممارسة دور الجلّاد في حياتك، متناسين بذلك المقولة القائلة: "لا تتدخل في ما لا يعنيك".

وهذا الكلام ينطبق على الكثير من الأشخاص الذين يقعون في دائرة حياتنا، والذين يسمحون لأنفسهم بتوجيه أسئلة دائمة عن كل صغيرة وكبيرة، دون أن يتركوا للشخص حرية عيش حياته بطريقته الخاصة، وكل ما يحدث وسيحدث له هو من سيتحمل عواقبه، إنهم يتدخلون في ملابسك، وشكلك، وحتى نوع طعامك، يتدخلون في قضاء الله وقدره، كسؤالهم لماذا لم تتزوج؟ لماذا لم تنجب؟ لماذا لم تكمل دراستك؟ لماذا لم تترقَ في وظيفتك؟ كم راتبك؟ مئة كم وكم، وألف لماذا، ومليون كيف، وغيرها من أدوات الاستجواب التي تتردد على الفرد والتي لا يصل فيها المرء إلا بشعوره بالانزعاج وربما أيضاً بحزن داخلي لا يظهر على ملامحه.

في بعض الأحيان ربما يكون الفضول حميدًا، إذا كان من باب الاطمئنان على الآخر، وليس التدخل في شؤونه؛ إذ لا يحق لأي فرد أن يقحم نفسه في حياة أحدهم وكأنها تعنيه بكل ما فيها، ولا يجب علينا أن نسمح لأنفسنا أن نجعل شخصًا ما يشعر بالحزن ونتسبب له بالألم دون إدراك ووعي بذلك، خاصة وأن هناك أناس يعيشون حياة لا يمكن لنا تصورها، وصنعت منهم التجارب أناساً حذرين في كل شيء، وربما هم بالأساس يعيشون قصة نحن لا نراها، قصة جعلتهم يختارون طرقاً بعينها، ويسلكون مسارات لا تشبهنا، وربما يبتعدون عن اختيار ما يجب عليهم لأن هناك شيء ما يجعلهم مرغمين على عدم القيام بما يجب، يجعلهم لا يتزوجون، لا ينجبون أبناء، لا يذهبون لتلك الوظيفة، لا يختارون أكلاً بعينه، وراء كل شخص منا قصة يخفي خلفها الكثير من الأشياء التي تخصه وحده، قصة لا يمكن التكهن بها.

في كثير من الأحيان نحن نجبر الآخرين- بسبب أسئلتنا- على الكذب، لأنهم يجدون أنفسهم مُلزمين بالإجابة، فهناك من يكذب ليخفي حقيقة أشد مرارة من قولها، وهناك من يتجنب الإجابة حتى لا يعود للخلف سنوات طويلة مرت وخلفت وراءها ذكريات موجعة، وهناك من يرفض الإجابة لأنه لم يعتد من الأساس أن يشارك أحدهم تفاصيله الخاصة وقضاياه المختلفة، وهناك من يهرب من البشر لأنه يرى أن رأيهم ليس مهماً وأن الحياة والدروس والتجارب جعلته يستعيض بنفسه وإنجازته عن الاختلاط بهم.

علينا أن نكون أكثر انتباهًا وأكثر حذرًا عندما نتحدث مع الآخرين عن حياتهم، خاصة وأننا لا نعلم ما الذي يعانيه الآخر، وما الذي أثّر على حياته، وما مشاكله التي نعتقد أنها تحتاج لإجابة، علينا أن نخفف الأسئلة ولا نتدخل في شؤون الغير، وألّا نمارس طقوس البحث عن الآخر وعمّا يعيشه وما يسكنه؛ بل علينا أن نكون أكثر احترامًا له، وأكثر انتباهًا لأنفسنا عندما نود طرح سؤال خاص على أحدهم؛ فالخصوصية قوة لا ينهار صاحبها ويضعف إلّا عندما يُفشيها.