كتابي بريال

 

منى بنت حمد البلوشية

 

الكتاب بالنسبة لي شيء ثمين، يحتويني بكل حالاتي، نعم ولا أخجل من قول ذلك، فعندما أمسك بأحد كتبي أجدني بين أسطره وأحرفه، ولا تلتقط يدي إلا الكتاب الذي يناسب ذائقتي التي لا تروق لها سوى حروف تشبهني وأشبهها.

بين أروقة معرض مسقط الدولي للكتاب لم أنتظر أياما تمضي عليه حتى آتي لزيارته، بل توجهت إليه في ثاني أيامه كالعاشق الذي ينتهز فرصة اللقاء،والفرحة العارمة تعلو محياي، سألتقي بكتب جديدة ورائحة أوراق وحروف ترفرف بي وكأن بها جناحين، أطير بها بخفة دون أن أصاب بخوف من السقوط، هي هكذا الكتب عندما تُقلب صفحة تلو الأخرى تجد نفسك وكأنك أصبحت غير الذي كنت عليه، لذلك لا تندم يوماً على كتاب جيد أنفقت عليه من النقود ولا تتحسر على سعره لأن ما بداخله سيمنحك فكرا وعقلا وسفرا بلا جواز ويشكل شخصيتك.

حوالي 826 دار نشر شاركت في المعرض من 32 دولة، كنت أبحث من بينها عن كتب معينة دونتها في مدونتي حتى لا أنساها، أخذتها وتغمرني الفرحة لقراءتها قبل خروجي بها من المعرض مودعة له، وكأنني امتلكت كنوزا أخاف عليها من أن تضيع عني في زحام الممرات، بعد أن انتهيت من شراء كتبي التي امتلكتها وتمسكت بعباءتي هي كذلك مثلما تمسكتُ بها، أخذت بالمشي بين دور النشر أتطلع لعلي أجد شيئا من الكتب التي تثري قريحتي وتدخلني إلى عالم آخر فوجدت الكثير مما يغري القارئ من عنوان الكتاب إلا أن ما بداخله لا يعطيه فائدة وربما هذا ما وجدته أنا وسقطت عليه عيني بعكس من يهتمون باختصاصاتهم.

أطلت المشي وكنت مستمتعة برائحة الورق التي تفوح عطرا، معطرة المكان ولا تشوبه رائحة أخرى وصوت الموسيقى الهادئة تعلو المكان، وصوت تلك المرأة التي تمسك بمكبر الصوت تُخبر من هم بالمعرض بأن هناك توقيع للكاتب الفلاني وبالدار التي نشر بها كتابه وبفعالية تقام الآن وغيره، الأجواء لا تشعرك بالندم أبداً لكونك زرت المعرض ولن تمل منه أبدا وأنت بين تلك الأكوام من الكتب التي لو كان بوسعي أن أمتلكها جميعها.

 

لا أخفي عليكم شيئا بأنني وعند تجوالي بين أروقة المعرض لفت انتباهي أن بعض الدور عندما تقبل عليها تحاول جذبك من خلال كتبها، التي تخبرك بأنَّ لديها كتب بريال، هل هي تعتقد بأن هذا الكتاب سيثري قريحة القارئ ربما من سيستسلم لتلك البائعة أو البائع لرخص الكتاب ويُجبره لأخذ عدة نسخ وهو يجد نفسه وكأنه وجد شيئا ثمينا بمجرد أن هذه الكتب بريال ولكنه لن يعطيه قيمة عندما يقرأه لأنه أخذه عنوة عنه وربما بإرادته، وهذا ما يحدث عند وصول ذلك المشتري لتلك الكتب التي هي بريال سيتفاخر بأن كتبه بريال قائلا: "وجدت كل كتاب بريال"،بينما يجد الكتب ذات القيمة والمحتوى بسعر أعلى وذلك لما تحتويه من إثراء عقلي وأدبي لذلك يذهب تاركا خلفه تلك الثروة التي ستثري قريحته وتبهج أشجانه وتملي حياته حبا وعلما وعملا لنفسه.

انتهى معرض الكتاب تاركًا بصمته في عقل كل قارئ وزائر، ابتسم لكل كتاب فتحه متجولا بين أروقته التي تفوح عطر أوراقه وملمسها الذي ما تفتأ الأصابع تركها إلا وتلتصق بين أطراف الأنامل فـ"الكتاب هو المعلم الذي يعلم بلا عصا ولا كلمات ولا غضب، بلا خبز ولا ماء، إن دنوت منه لا تجده نائماً، وإن قصدته لا يختبئ، وإن أخطأت لا يوبخك، وإن أظهرت جهلك لا يسخر منك" هكذا هي الكتب استمتع بقراءتها في أي وقت ولا تخجل فهو الذي لا يسخر من أحد ولا يؤنب فهو الصديق الصدوق الذي تجده في كل وقت.

تعليق عبر الفيس بوك