تمكين القطاع الخاص

حاتم الطائي

◄ القطاع الخاص قادر على قيادة النمو حال توافر المُحفّزات والتسهيلات المأمولة

◄ اقتصادنا الوطني يتميز بالتنافسية ومؤهل للاندماج مع الاقتصاد العالمي

◄ الاهتمام بالمؤسسات الناشئة جوهر تمكين القطاع الخاص المتطوّر

تُبرهن الأحداث والمواقف المختلفة على مدى الاهتمام السامي من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- بالقطاع الخاص، والسعي نحو تمكينه وتعزيز تطوُّره، كي يضطلع بالدور المناط به في دعم نمو اقتصادنا الوطني، وما اللقاء الذي تفضَّل به جلالته- أعزه الله- مع أصحاب وصاحبات الأعمال وعددٍ من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، سوى تجسيد لهذا الاهتمام المتنامي.

ومُنذُ تولي جلالة السلطان مقاليد الحكم، والمساعي السامية الحثيثة تتواصل من أجل الالتقاء بمختلف فئات المجتمع، سواء على مستوى مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية، أو مؤسسات القطاع الخاص، وغيرها، انطلاقًا من حرص جلالته- أيده الله- على تلمس مختلف التحديات، ودراسة شتى الأفكار المطروحة، والتي تخدم مسيرة التطوير والتجديد. ومع الانطلاقة الكبرى لمسيرة النهضة المتجددة في يناير 2020، ومؤسسات الدولة تسعى لتنفيذ التوجيهات السامية لإعادة هيكلة العديد من القطاعات، وتضمن ذلك إصدار نظام جديد لغرفة تجارة وصناعة عُمان، بهدف وضع الإطار القانوني اللازم لإشراك الممثل الرسمي للقطاع الخاص في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة، والإسهام في قيادة النمو الاقتصادي من خلال التوسع في المشاريع بمختلف القطاعات، وزيادة أدواره في توظيف الباحثين عن عمل. ولقد أدركت القيادة الحكيمة أنه من أجل أن يقوم القطاع الخاص بمسؤولياته، ينبغي تهيئة الظروف المناسبة لنموه وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وهو ما مثّل أحد نقاشات اللقاء السامي مع أصحاب وصاحبات الأعمال؛ حيث تناول اللقاء التوجهات المستقبلية وفقًا لمضامين رؤية "عُمان 2040"، وما تشتمل عليه من سياسات وطنية تستهدف مواصلة مسيرة التنمية الشاملة، علاوة على الاهتمام السامي بتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في إطار خطط التكامل الاقتصادي بين المؤسسات؛ بما يخدم تطور منظومة الاقتصاد الوطني وتحقيق معدلات النمو المأمولة.

وعندما نطالع تفاصيل هذا اللقاء وحديث جلالته عن القطاع الخاص، نجدُ أن المقام السامي- أعزه الله- كان حريصًا للغاية في اختيار المُفردات التي تصف دور هذا القطاع في التنمية، فالإشادة السامية بدور القطاع الخاص وأصحاب الأعمال في تحقيق التطلعات المستقبلية للاقتصاد العُماني، تضمنت تأكيدًا على أهمية بناء قطاع خاص "ممكّن يقود اقتصادًا تنافسيًّا ومندمجًا مع الاقتصاد العالمي". فعلى مدى السنوات الماضية تكرر استخدام مصطلح "التمكين" لكن دون تفعيل حقيقي له، غير أننا نجد في الوقت الحالي خطوات متتالية لتحقيق هذا التمكين، ولعل أبرز هذه الخطوات اللقاء السامي بأصحاب الأعمال؛ الأمر الذي يُؤكد الحرص الكبير من جلالة السلطان على تنمية وتطوير القطاع الخاص وزيادة استثماراته الوطنية والأجنبية على السواء.

والتمكين يحتاج إلى موجهات وخطط عمل واستراتيجيات تدعم جهود تنفيذه، وهنا نجد التأكيد السامي على "ضرورة تهيئة بيئة الأعمال في البلاد لتكون تنافسية وجاذبة للاستثمارات وخالقة لفرص العمل، تمارس فيها الحكومة الدور التنظيمي المقترن بالكفاءة والسلاسة الإدارية الناجحة".

والبداية من تهيئة بيئة الأعمال وتعزيز تنافسيتها، فلا تمكين لقطاع خاص تنحسر فيه التنافسية على قطاعات بعينها، بينما السواد الأعظم من هذا القطاع تقل فيه معدلات التنافسية. ثم تأتي بعد ذلك مسألة إيجاد المُحفّزات التي تعمل على جذب الاستثمارات، المحلية والأجنبية، وقد شهدت السلطنة خلال الفترة الماضية إطلاق العديد من مبادرات التحفيز الاقتصادي، سواء على مستوى تسهيل الإجراءات أو الإعفاءات الضريبية، وغيرها. فقد افتتحت وزارة التجارة والصناعة صالة "استثمر في عُمان" لتكون بمثابة محطة ونافذة واحدة لجميع الخدمات والإجراءات المتعلقة بالاستثمار.

نقطة أخرى بالغة الأهمية تتمثل في ضرورة الاهتمام باقتصاد المعرفة وتوطين التقنيات ودعم الابتكارات ذات الصلة بالثورة الصناعية الرابعة؛ حيث إن جزءًا من عملية تمكين القطاع الخاص يكمنُ في هذا الجانب، فكبرى الشركات العالمية هي شركات التقنيات، ولنا مثال في شركة "ميتا" المالكة لفيسبوك وإنستجرام وواتساب، وشركة أبل الأمريكية، وكذلك هواوي، عملاق التكنولوجيا الصيني، وغيرها الكثير.

وعندما نتحدث عن تمكين القطاع الخاص، يأتي في القلب من هذه العملية، تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة، مع التركيز على المؤسسات العاملة في قطاعات الابتكار والتصنيع؛ لأنَّ هذه المؤسسات باتت تمثل عصب النمو في العديد من البلدان ذات الاقتصادات المتقدمة، ولا شك أن تكاملها مع الشركات الكبرى من خلال طرح الحلول التقنية المبتكرة والتعاون لتنفيذ فرص أعمال نوعية، سيحقق منفعة كبيرة على مستوى الاقتصاد الكُلي، وعندئذٍ سنكون قد وضعنا قدمًا راسخة على مسار التمكين.

ويرتبطُ تمكين القطاع الخاص كذلك، بالمخرجات التعليمية المواكبة لمتطلبات العصر، فلا يمكن ضمان نمو القطاع الخاص دون كوادر بشرية وطنية متقدمة، ومتسلحة بأحدث العلوم والمهارات والخبرات، وهذا يتحقق فقط في ظل منظومة تعليمية متطورة تواكب متطلبات سوق العمل، وفي مقدمتها الإلمام بالتقنيات الحديثة والقدرة على توظيفها من أجل زيادة الإنتاجية.

ويبقى القول.. إنَّ تمكين القطاع الخاص يستند على عدة ركائز؛ تتمثل في تهيئة بيئة الأعمال، وترسيخ اقتصاد المعرفة، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة، وتطوير المخرجات التعليمية لمواكبة متطلبات العصر، والمُعطيات على الأرض تشير إلى أن حكومتنا الرشيدة ماضية في تنفيذ هذه الركائز بكل همّة ونشاط، وأن تحقيق أهداف رؤيتنا المستقبلية "عُمان 2040" يمضي قدمًا، دون إبطاء أو عراقيل، بفضل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان وتضافر جهود المؤسسات.