الوزير "الروبوت"

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

لك أن تتخيل وزيرًا لا قلب له ولا عاطفة، وزيرًا من غير بني البشر، يقوم مقام المسؤول البشري، ويعمل ليل نهار، لا يكل ولا يمل، يعمل دون أن يتذمر، ودون أن يشكو، ويعمل بصمت، وينجز كل ما يُطلب منه، دون إلحاح، ويفعل كل ما تحتاجه منه الدولة، دون تردد، وفوق هذا وذاك لا يحتاج إلى بدلات سفر، ولا حوافز مادية، ولا سيارة حكومية، ولا بدل اجتماعات، وهو في خدمة الوطن والمواطن على مدار الساعة، ليل نهار دون أن ينام، أو يسهو، أو يسهر، أو يتقاعس.

لك أن تتخيل هذا الوزير "الروبوت"، الذي لا يخترق القانون، ولا يفصّل التشريعات لمصالحه، ولا يمد يده على خزينة الوزارة لمجاملة موظفيه المقربين، ولا يُدخل العواطف الإنسانية في علاقاته مع "الروبوتات" الأخرى، ولا يتوسط لفلان أو علان، ولا يتدخّل في تشغيل أقربائه، ومعارفه، ولا يُعاقب موظفًا دون سبب، ولا يتخذ قرارًا وفق أهوائه ومصالحه الشخصية؛ بل ولا يحقد على أحد من العاملين لديه، ولا يجامل أحدًا على حساب العمل، ولا يطبق نظرية هذا من "شيعتي وهذا من عدوي"، ويستميت في إنجاز مُعاملات المواطن دون تأخير، أو تسويف، أو تأجيل.

لك أن تتخيل "روبوتًا" بسيطًا لا يسرق، ولا يرتشي، ولا يتجاوز القانون، ولا يستغل وظيفته لتحقيق مكاسب شخصية.. "روبوت" لا يأكل ولا يشرب، ولا ينام، يقوم مقام البشر، لديه مهام مُعينة، ومسؤوليات مُحددة، لا يتعداها، ولا يتملص منها، ويتخذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، ويقيس الخطط على حجمها، ولا يُبالغ في تكلفة المشاريع لغرض في نفسه، ويساوي بين الناس دون تفرقة في التعاملات، ويحاسب المسيء من الموظفين، ويكافئ المحسن والمجيد منهم، ويقوم بعمل استراتيجيات ومشاريع منتجة، ومربحة، وذات جدوى، ولا يضيع وقته في الاجتماعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويتخذ القرارات بناءً على معطيات ثابتة، وحسابات دقيقة، لا يغلّب فيها مصلحته الخاصة على مصلحة الوطن، ويقوم بكل مهامه دون تخاذل، ودون تصريحات مثيرة، أو "بروبوجاندا" إعلامية، ودون صور مع موظفيه في الميدان تملأ وسائل التواصل الاجتماعي، ودون مُقابلات يومية ومجاملات تضيع وقت العمل دون جدوى.

لك أن تتخيل هذا الوزير "الروبوت" ذات يوم، يحل محل كل وزير في هذا العالم، ويمحو كل أثر للعنصر البشري، ويتقبل النقد، والشتم، والإهانات من الناس دون أن يتذمر، أو يخاف من افتضاح أمره، أو يخشى على مشاعر أولاده وزوجه وأسرته، ودون أن يتردد في اتخاذ القرار المناسب، في الوقت المناسب، أو يخاف لومة لائم إن أخطأ، أو تجاوز حدوده، ودون أن يتمكن القاضي من محاكمته، أو أن يتحكم القانون في تصرفاته، فهو "مصنوع" بالكامل لخدمة أغراض وأهداف معينة، تنتهي صلاحياته، وإصلاحاته بمجرد الانتهاء من تحقيق العمل الموكول إليه.

هذا الوزير "الروبوت" سيظهر حتمًا ذات زمن قادم، وإلى أن يحين ذلك الوقت، على العالم كله أن يتحمل هفوات وتجاوزات الوزير البشري، وأن يتعامل معه بكل ما يحمله الإنسان من نقص، أو خطأ، أو قصور، فهذه طبيعة البشر، وتلك طبيعة "الروبوتات" التي يصنعها نفس البشر!! ولله في خلقه شؤون.