يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"كنتُ أقول لطلّابي: إذا أقلقَكم كتاب، اتركوه، هذا الكتابُ لم يكتب لكم، القراءة يجبُ أن تكونَ شكلاً من أشكالِ السّعادة" خورخي لويس بورخيس.
قراءة أي كتاب هي بداية علاقة بين القارئ والمؤلف، علاقة أشبه بالصداقة والألفة والاطمئنان لما كتبه المؤلف في كتابه المقروء، ولا شك أن التأثير على القارئ واستفزازه ليس بالأمر القادر عليه أي كاتب، عطفًا على أن تأليف كتاب ليس بالأمر السهل ولا كل إنسان أو مثقف قادر عليه، فالكتاب ليس مقالًا أو تقريرًا أو بحثًا لا تتعدى صفحاته أصابع اليد، إنما في الكتاب فأنت أمام مؤلف خطَّ وكتب كتابا يفترض أنه إضافة للقارئ، ويغذي ثقافته، ويزيد علمه، ويجعله إرثًا معتبرًا للأجيال، هكذا أتفكر بالكتاب، بالطبع أقصد الكتب التي تحمل جدية في الطرح، ذات المضمون الهادف، تلك الكتب ذات القيمة الفكرية والثقافية المضافة.
العلاقة مع الكتاب قد تكون ضمنيًا علاقة مباشرة مع المؤلف، فمن يكتب الكتاب ويضع على صفحاته الفكر والأفكار إنسان، ومن يقرأه ويتصفحه إنسان، وما الورق سوى وسيلة اتصال تجمع الكاتب بالقارئ، لذا فالعلاقة الإنسانية بين طرفي الكتاب الكاتب/ والقارئ مستمدة من موضع الفكرة المكتوبة على الورق (بالطبع المعنى يندرج حتى بالكتب الإلكترونية).
حسب ظنِّي الذي ليس بالضرورة أن يتفق مع أي ظن، أعتقد أن قراءة كتاب هي أشبه برحلة مع المؤلف، يعرض أفكاره ويقدم تصوراته بموضوع وفكرة الكتاب المزمع مصاحبته كقراءة.
كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء بشأن قراءة الكتب، وكانت له وجهة نظر محترمة، لكن وجهة نظري أن الكتاب هو علاقة إنسانية بحتة عنوانها العرفان والفائدة، تبدأ بالسلام مع أول صفحة، وتكون كالصديق الذي عندما تنتهي العلاقة معه، يتم طي صفحة الكتاب بشكل نهائي، فالكتاب تمت قراءته وتمت معرفة أفكاره (قد يرجع إليه في حال الحاجة كمصدر معلومة أو مرجع )، لذلك حتى في علاقاتنا الإنسانية أي علاقة تنتهي لأي سبب من الأسباب، فمثلما بدأت بخير تنتهي بخير، والدعاء بالخير للصديق وأن يرافقه توفيق رب العالمين.
أثناء التحضير لهذه الكلمات البسيطة قرأت للتشيكي الفيلسوف فرانز كافكا ما يلي:" أعتقد أنه يجب علينا فقط قراءة الكتب التي تدمينا؛ بل وتغرس خناجرها فينا، وإذا كان الكتاب الذي نقرأ لا يوقظنا من غفلتنا.. إذن لماذا نقرأه أساسًا؟!".
معنى ما تطرق إليه كافكا هو بالضبط ما يحدث مع علاقاتنا الإنسانية، لا ننسى وأذكرك بأن الكتاب هو إنسان تحدث فتمت ترجمة ونقل كلماته على ورق فأصبح أمامنا كتابا، إذن أنت أمام كائن حي وإن بصورة أوراق مطبوعة ومصفوفة على شكل كتاب.
بعض العلاقات الإنسانية الراقية مثلما تبدأ برقي تنتهي برقي، فالنهاية تأخذ أشكالا متعددة، لكنها كالموت، الذي وصفه الشاعر: من لم يمت بالسيف مات بغيره (1)، أيًّا كانت النهاية؛ سواء باعتذار رقيق أم غير ذلك، في النهاية نحن أمام مرحلة من العلاقة تم طيها، ومن الأفضل التوقف نهائياً حتى تبقى على الأقل الذكرى الطيبة، والدنيا لا تتوقف على أحد، ولكل ظروفه المقدرة، وهكذا الحديث يتصل بالعلاقة مع الكتاب وربطه بالعلاقة الإنسانية، فالكتاب إنسان تم توريقه، وأصبحنا أمام ورق مطبوع نشعر بأنفاس الكاتب وسط وبين سطوره!
على أية حالٍ أي كتاب تمت قراءته فقد تمت قراءته، ويبقى الانطباع المتروك، فكم كتاب ارتبط بذكرى لا تنسى، وكم كتاب أصبح في طور النسيان، أعتقد أن الانطباع هو المحدد للعلاقة بين الكاتب المؤلف والقارئ. بعض العبارات عندما نقرأها نضغط بقوة على شفاهنا جراء تأثيرها واستفزازها، وبعض العبارات تمر كمرور غير مؤثر، لا خير ولا شر، أما مرور الكرام على بعض العبارات فهو إكرامها وتقديرها ومثلما بدأت القراءة بالصفحة الاولى، فقد توقفنا هنا في الصفحة الأخيرة، وقرأنا الفهرس. وتم طي الكتاب ووضعه بهدوء في الخزانة، وهكذا الكتب كما العلاقات الإنسانية، لايبقى سوى الانطباع، والله يرحمنا ويغفر للجميع.