فوزي عمار
يعتقد البعض أن التقارير التي تخرج من المؤسسات الدولية لا بُد ان تكون حق مطلقًا، لا لشيء إلا لأنها صادرة عن جهة دولية، سواء كانت البنك الدولي أو الأمم المتحدة أو إحدى مؤسساتها أو صحيفة غربية واسعة الاطلاع.
وبالرغم من صدق أغلب هذه التقارير إلا أن هنالك أخطاء عادة ما تقع فيها هذه التقارير عن حسن نية أو سوء نية. ففي حسن النية يكون السبب عدم فهم البعد الثقافي والطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلد موضوع التقرير. أما سوء النية فهو هيمنة بعض الدوائر في دول غربية على تلك المؤسسات أو الصحف ونشر تقارير بشكل غرضي مبيت.
ومثلا وليس حصرا، ظهر مؤخرا تقرير مجلة "الإكونوميست" البريطانية مؤخرا الذي ينص على أن الاقتصاد الليبي حقق نموا بقيمة أكثر من 20%. طبعا التقرير لا يقول إنه مقارنة بالسنوات الماضية التي توقف فيها النفط. وهذا كلام لا معنى له سوى التضليل وأخطاء في تقارير دولية؛ فالنمو الاقتصادي بالأساس مرتبط بتحسن دخل الفرد والخدمات ورأس المال البشري والمادي وغيرها، وليس فقط صعود أرقام التصدير في الموارد الطبيعية.
تابعتُ كذلك تقريرًا صادرًا عن صندوق النقد الدولي يرصد نموًا في الاقتصاد الليبي في عام 2018 بنسبة 16.4% واعتقد جازما أن سبب هذا النمو هو ارتفاع كمية النفط المصدر بعد توقف طويل وازدياد الدخل من 13 مليار دولار إلى 25 مليار دولار في عام 2018.
من ناحية نظرية يعد ذلك نموًا في الدخل، لكنه نمو نسبة للسنة التي قبلها فقط؛ ولو قارنَّا بين هذه السنة وسنة 2010 حين كانت ليبيا تصدّر مليونًا و600 ألف برميل، وقيمة البرميل وصلت آنذاك لأكثر من 100 دولار، لوجدنا أن هناك تراجعًا وليس نموًا!!
وأبسط مقياس للتحقق من النمو الاقتصادي هو انخفاض معدل البطالة؛ فلا معنى لنمو اقتصادي تزداد معه البطالة؛ لأن النمو يعني مزيدا من فرص العمل وتقليلا في نسبة البطالة.
لكن عندنا في ليبيا يزداد النمو وتزداد البطالة في معادلة غير قابلة للفهم أصلا!
نمو اقتصادي بدون خدمات لا يعني نموا بالتعريف العلمي للنمو، كما إن حساب النمو الاقتصادي من إجمالي حساب الاقتصاد الكلي في الدول الريعية لا ينعكس على دخل الفرد، وهذه مشكلة أخرى في حساب مؤشر Per Capita الدولي، لمجرد قسمة الناتج الإجمالي على عدد السكان ليتم حساب دخل الفرد فيها، ولا يمكن أن تكون قيمة فعلية؛ لأنه ببساطة لا يصل الدخل الإجمالي للمواطن؛ بل هو قيمة افتراضية لا تصل ليد الفرد، بل تذهب للحكومة وفسادها الفاضح.
هذه التقارير تستعملها دول كبرى للتقليل من التصنيف الائتماني للدولة الصغرى لجرّها للاستدانة من صندوق النقد الدولي ونادي باريس لإعادة جدولة الديون، كما في حالة تونس ولبنان على الرغم من تبني تونس ولبنان لاقتصاد السوق الحر إلا أنها على شفا الإفلاس إذا ما لم تعالج هويتها ومشروعها الاقتصادي أولا بعيدا عن الليبرالية المتوحشة والدعوة لاقتصاد أكثر أنسنةً.
لذلك وحتى تعدل بمعادلة أخرى أكثر تعاملا مع ما يصل إلى الفرد فعلا في حسابه وفي يده، وليس حسابيا ونظريا فقط تظل أرقامًا مُضللة.
وفي أحيان كثيرة تقوم التقارير باستخدام نموذج جاهز يتم فيه اختيار البند المناسب ويقع فيه كثير من الأخطاء المتفاوتة. وهي المعضلة الأخرى لاستعمال النماذج الجاهزة.
وبالرغم أن الأرقام ليست آراء ويجب أن تكون الأكثر صدقًا في المؤشرات، لكن الأرقام يمكن أن تكون خادعة حسب طريقة وعرض تقديمها سواء بحسن أو سوء نية. لتظل هذه أخطاء في تقارير دولية حتى تتم معالجة هذه الأخطاء بمعادلة جديدة تراعي هذا الخلل وتصحح الانحرافات المعيارية في هذه المؤشرات.