عائض الأحمد
يروي لي أحد الزملاء فيقول في يوم من الأيام قابلت ذاك الرجل النحيل الأسمر المُلفت للنظر بحركته وحديثه وصوته العالي في كل أرجاء المكان.
كان يتعامل مع الجميع بعفوية وروح مرحة تجعله قريبًا من القلب بحسن وجمال أخلاقه علمًا بأننا نقيم وقتها خارج أوطاننا وهذا جعلني اقترب منه أكثر وأبادله الحديث. كان يُقابلني بتلك الابتسامة الرائعة ويسألني بماذا تريد أن أخدمك اليوم؟
تعجبت لهذا الرجل وكيف استطاع أن يكسب تفاعلا سريعًا مني رغم قلة أصدقائي وحذري في الحديث مع أي شخص لا أعرفه جيدًا.
نشأت بيننا علاقة أخوية جميلة وكنت كلما ذهبت إلى بلدي وعدت أتذكره بشيء على سبيل المحبة والوفاء وكان يتواصل معي دائمًا دون انقطاع.
وفي أحد الأيام طلب مني مبلغ ألف دولار وقال لي بأنَّه يُريدها الآن لمُساعدة أحد أبناء بلده لإجراء عملية مستعجلة ويحتاج إلى دخول أحد المستشفيات فقلت هذا شيء رائع هذا الشعور الإنساني النبيل.
وقلت في نفسي جميل جدًا فقد كنت أتحين الفرصة لمعرفة سلوك هذا الرجل الحقيقي عندما تصل العلاقة إلى المال.
أرسلت له المبلغ دون تردد علمًا بأنها المرة الأولى التي أقرض فيها أحدًا أكن له ودًا أو أرغب في استمرار علاقتي به وهذه فلسفتي في الحياة قد أقرض شخصًا لا أريد رؤيته لكي لا يعود مرة أخرى.
عمومًا أخذ المبلغ وقدَّم شكره الجزيل وأبلغته بأنَّ هناك موعدا محددا لإعادتها ولن أتنازل عن ذلك الموعد.
مضى وقت ليس بالطويل أو القصير. وكان هذا الصديق اللطيف يتحاشى مُقابلتي ويحاول أن يترك المكان الذي كنَّا نتقابل به دائمًا إن علم بوجودي فيه. فقلت في نفسي هذا وقت الامتحان يا صديقي العزيز.
واتصلت به طالبًا أن يأتي بالمبلغ نظرًا لحاجتي له الآن فقال غدا بإذن الله وأنا أجزم في قرارة نفسي بأنَّه لن يأتي المال ولا الصديق بعد اليوم.
وقد باع كل ذلك بألف دولار.
لم تكن مُفاجأة لي بقدر ما كان درسا جميلا ودورة تدريبية في العلاقات الإنسانية وقد دفعت رسومها مُقدمًا.
وأكدت لي أن المال هو الاختبار والمحك الحقيقي لمثل هؤلاء العابرين في حياتنا.
العبرة من هذا ورغم سنوات الخبرة والعمر الطويل أن أحدنا قد يتعرض لمثل هذا وفي اعتقادي أنه طبيعي جدا لم يخرج عن المألوف الحالي في هذا الزمان.
ليس للثقة هنا مكان وإنما ظروف هذا الرجل جعلته هكذا يقبض ثمن وجوده في حياتك يومًا ما ثم يبيعك بثمن بخس.
ختامًا.. يبحث عن الأسوأ فيك ويستحلفك بالله من أنت؟
*****
ومضة:
لماذا تكذب يا صديقي؟ قل الحقيقة فقط، فلن تكون أكثر مرارة من يوم لقائي بك.
يقول الأحمد:
المال والمنصب لن يعني لك شيئًا وأنت ترجوه الصفح.
شيء من ذاته:
صنيعة الله فى كونه وخلقِهِ، وهبك عقلًا ورشدًا ومنحك القدرة على تخطي عثراتك بطريقتك ومدواة جراحك حسب قدرتك وفهمك لذاتك، فكلما أوشكت على السقوط استيقظ ذهنك وعاد بك الزمان يافعًا تخاف الزلل والخطيئة وتحسب خطواتك وكأنك حديث عهد بالحياة.