مسافة الكتابة.. وعامل المطبعة!

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

"إن تعليم القراءة والكتابة ممل بعض الشيء، فعلى المعلم أن يخفف هذا الملل باصطناعه طرقًا مشوقة" عبد الله عبد الدائم.

***********

لا أرى أني قادر على كتابة أي شيء، لا فكرة.. لا هاجس.. لا شيء يذكر، وأفكر ما بيني وبين نفسي: لم كل هذا التفكير؟

يا أخي لا تكتب وانتهى الأمر! وتفكرت بحال عامل المطبعة الذي سيتكلف ويطبع مقالي البائس، وكأنه يزفر زفرة يرافقها شهيق عميق ويقول: يعني لم يبقى من الكتاب إلا هذا الكاتب كي يشغلنا بحلمنتشياته! ثم يسألة زميله: هل تظن أننا إن لم نطبع مقاله سيتوقف بيع الصحيفة وتتوقف رواتبنا؟

أجابه بثقة شديدة يحسد عليها: بالعكس ستزداد المبيعات، ولنا في الطيب نصيب وتزيد رواتبنا!

ثم فكرت في حالي المنهك كتابيًا: لكني أدمنت ساعة الكتابة، أصبحت جزءا لا يتجزأ من مسافة الطريق الأسبوعية، إنما الأمر ليس بالسهولة المتصورة، ليس كم كلمة ورتبها على شكل عبارات مترابطة، المسألة أن هناك من سيترك مشاغله وسيقرأ ماكتبت، وقتها أو لحظتها ماعذري أمامه؟

أفكار وهواجس، هل أكتب عن كيفية تحول النيتروجين إلى نترات؟ وأروي مصطلحات كيميائية حتى كاتبها يضيع بينها، آه من الكتابة، لاترسي على بر، ولاتقف عند حاجز، ولاتتكئ على متكأ، هل أكتب عن الحب؟

لكن.. "أهل الحب صحيح مساكين" كما صرحت سيدة الغناء العربي بكلمات مرسي جميل عزيز.

هل أكتب عن السياسة؟ يالله هل بقي من السياسة سياسة في عالم القوة والاستبداد وحكم القوى العظمى وحروب الوكالة، وعلاقات تزرع هنا وعلاقات تقطف هناك!

هل أكتب عن الاقتصاد، أي اقتصاد يا صاحبي والشركات متعددة الجنسية كشعار "داعش": "باقية وتتمدد"، والدول المغلوب على أمرها تضع خططًا اقتصادية لسنين قادمة، ثم يفاجأ المرء بأنَّ زبدة الخطط حفلة لمطربين أتوا وآلاتهم الموسيقية بصحبتهم، ومايلوا وتمايلوا، وأخذوا المقسوم، وكان الله بالسر عليمًا!

هل أكتب عن الثقافة، وما الثقافة في عصر كتب "قص لصق"، وروايات أحاديث الضحى، وعرض كتب لا طعم ولا رائحة لها!

هل أكتب عن الرياضة، رونالدو في النصر، وميسي يحتضر كرويًا في باريس سان جيرمان، والعربي الكويتي للتو كسب بطولة!

نسيت أو تذكرت أن ما مضى من عبارات هي المقال المزمع، فإن وافق الرقيب أهلا وسهلا، وإن لم يوافق يكبر ويأخذ غيرها، وتذكرت بيت باللهجة العامية للشاعر علي القحطاني:

إلى غاب عن عيني يظلم علي الجو

وأقوم أكتب الآحاد في خانة الميه..!

ومن ثم قررت أن أقرأ أي كتاب تقع عليه عيني، ضمن بعض الكتب المنزوية جانبا بمكتبتي المنزلية البسيطة، تساءلت بيني وبين نفسي هل أبدأ بالقراءة حوارا بعد حوار، ولكن أهل الشرق لايقرؤون، وإن قرأوا لايفهمون، أكتشفت أن أهل الشرق هم أكثر الناس كفاءة في الكلام، ونادرا جدا من يتحدث بواقعية و وضوح علمي، وإن وجد فهو الذي فيه ومافيه، وهو الذي يتبع قوى خارجية، وهو الذي هناك شك في وطنيته، مجتمعات تترنم بهذا التفكير كيف لها أن تتقدم؟

قرأت عن بعض القطاعات المراد تنميتها وتطويرها، وجدت أن أهم قطاع يجب التعامل معه بجدية هو التعليم، فإن سلم سلمت بقية المفاصل، أما تعليم تعلن الصحف عن كشف حالات غش بالآلاف، فنحن هنا نتحدث عن حالة مجتمعية عامة وليس فقط خاصية طالب غش في ورقة الاختبار!

إما يصلح المجتمع نفسه، وإما انتظار الأزمة القادمة، والتي سيدحرجها الزمن كما دحرج سابقاتها!

هل فهمت ما سبق أم تحب إعادة القراءة لتفهم أكثر؟ عمومًا ليس ضروريًا عدم فهمك، أعد قراءة المقال إنما بذهن صاف وستفهم أكثر، وتستوعب أكثر، وربما توافقني أكثر، وإن لم تتوافق ورأيي فليست نهاية الدنيا، اقلب الورقة، واقرأ المقال الآخر، طبعاً إن قرأت!

أخيرًا.. سأقول لك ماذا قال إنريكي جارديل بونشيلا: "إذا تمكنت من قراءة مادة مكتوبة دون جهد يُذكر، فهذا معناه أنه تم بذل جهد كبير عند كتابة هذه المادة".