إيَّاك والزواج!

 

عائشة السريحية

إنْ جذبك العنوان فدعني أقول لك يا صديقي: نعم، إيّاك والزواج قبل أن تقرأ هذا المقال وتعيه جيدًا.

قيل إن الأسرة أساس المجتمع، وإن الاستقرار الاجتماعي يعتمد على استقرارها، وأن الزواج سنة الله في الأرض. لكن الزواج بشكل عام هو عقد شراكة بين طرفين، كل طرف قد وقع على عقد شراكة دائم.

يعيش الشريكان فترة الاكتشاف، ثم يختلفان وقد يكون الخلاف لأسباب غير منطقية أو لمشاجرات لا قيمة لها، ويبدأ الموضوع في التصعيد، ثم يدلي كل بدلوه، ويصبح الجميع فجأة أهل خبرة ودراية ومستشارين أسريين، ويجد الطرفان نفسهما تائهين وسط حياة لم يكونا يعرفان عنها شيئًا.

الزواج التقليدي أم المبني على الحب؟

لا نستطيع الجزم بنجاح طريقة وفشل أخرى فقد نجحت زيجات كثيرة تمت بالطريقة التقليدية وكذلك في الزواج المبني على الحب، ويختلف الوضع من مجتمع لآخر، ولكن الفشل أيضًا ألقى بظلاله على كلا الطريقتين.

ولو يُدرس الزواج وكأنه مادة يجب طرحها وتحديد أطرها ووضع قواعد واضحة لها سيسهل الأمر على المقبلين على هذا العقد وهذه الشراكة، فيكون الزواج مبنيا أولا على العقل ثم العاطفة.

إن تعليم الشباب على القواعد لما قبل الزواج ليس كالإرشاد لما بعد الزواج، ولنأخذ الأمر كمشروع يود الفرد القيام به، ألا يحتاج لدراسة جدوى؟ ومعرفة الغاية من المشروع، تكاليف المشروع، المصاريف التشغيلية للمشروع، الاستدامة، التفاهم القائم على بعض التنازل والتضحيات، لا العند والسيطرة، وغيرها من المتطلبات الأساسية لخط سير المشروع.

وهنا جدولة بسيطة للراغبين في إبرام هذا العقد ربما قد تفيد ولو قليلًا:

مكان الزوجية: منزل الأهل – إيجار – منزل مُستقل.

الدخل: احتساب تغطية تكاليف معيشة شخصين شهريا والنظر فيما إذا كان سيغطي أم لا ومعرفة الطرفين بها.

الإنجاب: تحديد مدة لا تقل عن عامين قبل الإنجاب كضمان للاستمرارية من عدمها.

اللقاءات الشرعية: يكون اللقاء بوجود محرم  ولا يكون مجرد لقاء عابر بإلقاء التحية أو الاطلاع على الهيئة والشكل بل يتناقش فيه الطرفان حول عدة أفكار ويسألان بعضهما عن الاهتمامات، والطباع، وستظهر بوادر الاتفاق أو الاختلاف بعد عدة نقاشات ولقاءات بين الطرفين.

الإجبار

إن إجبار طرف واحد على الزواج من شخص لا يرغب في الاقتران به لأي سبب سيفضي إلى فشل مستقبلي بسبب عدم تقبل الطرف لشريك حياته.

لائق صحيًا

يجب أن يكون كلا الطرفين على معرفة واطلاع بالحالة الصحية والعقلية والنفسية لكل طرف وأن لا يترك أي شيء مخبئا للمستقبل كي لايسبب صدمة لأي طرف حتى وإن كان بسيطا، ويشمل ذلك العيوب قبل المميزات، وحتى وإن كانت عمليات تجميل.

المعايير المعقولة

على كل طرف وضع معايير واضحة ومعقولة دون المبالغة في الرغبات والأمنيات، لمن يرغب في الارتباط به وإطلاع الطرف الثاني عليها.

المنطقية

ما يحدث في الأفلام والروايات الغرامية شيء وما يحدث في الواقع شيء آخر، فالرومانسية التي نشاهدها في الأفلام أو نقرأ عنها هي مرحلة وقتية لكنها ليست أساس حياة وبناء أسرة، فترة الشغف والانبهار غالباً ما تكون مسألة وقتية، تتلاشى بمرور العامين الأولين من الزواج.

جاءني اتصال  من أرملة، تبحث عن مساعدة لدفع  المهور لولديها،  توجهت لها بسؤال مباشر هل يعملون؟ أجابت بالنفي، ثم سألتها هل لديك مصادر دخل أخرى تعينهم على قيام الزوجية وإنشاء أسرة،  والإجابة لا.

إن مفهوم الزواج ليس علاقة غريزية بين رجل وامرأة وانتهى، إن الأمر أكثر تعقيدا ويتطلب المزيد من البحث والتفكير.

طبيعة المجتمع الشرقي المحافظ تفرض الرغبة في الاستقرار، وبناء وتأسيس أسرة، كونها نواة المجتمعات، ولكن حين تنتهي هذه الرغبة بوجود أطفال يتشتتون بسبب الطلاق، أو ضعف القدرة على الإنفاق، فإنَّ الغاية قد نقضت.

الفروق الفسيولوجية

تمر المرأة بحالة من التغييرات الهرمونية، التي تجعلها على غير طبيعتها، ولو لم يكن الزوج  ملمًا بطبيعتها الفسيولوجية فسيقع في فخ المشاكل وربما الانفصال الانفعالي، الذي لن يدرك مسبباته وماهيته.

وكذلك المرأة التي تجعل من الزوج محور كونها واهتمامها وتعلق سعادتها الكاملة به، ولا تتفهم طبيعته الفسيولوجية، وأنه العقل في العلاقة الزوجية وهي العاطفة،وإذا توقف عن التغزل بها أو إظهار عاطفته بشكل مبالغ فإنه قد فقد الاهتمام بها أو أنه يقيم علاقة مع أخرى  وتبدأ حبال الغيرة والشك تخنق الأمان والاستقرار.

الروتين قاتل

إن الحياة الروتينية تقتل الحب، وعليهما قبل الزواج أن يكونا مدربين على التعامل بذكاء على إدارة مشاكل الحياة الزوجية وروتينها، والتخطيط الجيد يقيهم الكثير.

فأخذ إجازة، والخروج لممارسة بعض الهوايات، والاستجمام في السفر، أو المبيت في مكان جميل وهادئ، أو ممارسة الصيد، أو المشي أو لعب لعبة ما يجدانها ممتعة لكليهما، سيفيد حتما.

المال والزواج

إن المال يلعب دورا مهما جدا في العلاقة الزوجية، وتظن بعض النساء اللائي لهن استقلال مالي، أن الزوج وإن كان معسرا، يجب عليه أن يلبي طلبات زوجته وأبنائه، وترفض رفضا قاطعا أن تساهم بجزء من مصروفها الشخصي، فيضطر الزوج لتحمل أعباء كثيرة تفوق طاقته ويختل التوازن.

كما إن مشاركة الرجل زوجته أعمال المنزل أو تربية الأبناء ليس قدحا في قوامته ولا رجولته، بل هو نبل يمنح الطرفين سعادة وتفاهما، دون تحمل طرف عبء المسؤولية الكاملة والشعور بأن ما يفعله عيبا، فالزواج هو تعاون بين طرفين لا علاقة للمحيط الخارجي بما يتم بينهما، وليمضيا في وضع لائحتهما للتنظيم الداخلي  بما يتناسب معهما فقط، وإبعاد التدخلات الخارجية من أهله وأهلها.

الخصوصية

بعض الأزواج سواء كان الزوج أو الزوجة يظن أن أمه أو أخته أو أي طرف من أهله هو  مشترك معه في الزواج، فيخرج أسراره من أصغرها لأكثرها حساسية ظناً منه أنه سيحصل على المشورة الحقيقية أو التعاطف والتأييد في حال وقعت مشاكل زوجية، لذلك على المقبلين على الزواج فهم واستيعاب معنى خصوصية علاقة كل طرف بالآخر وعدم السماح لأي شخص أن يتدخل، إلا إذا استدعت الضرورة ذلك.

وأخيرًا.. الزواج يحتاج لدراسة وتخطيط، وأن كل طرف قدم من بيئة غير بيئتك، وعائلة تختلف عن عائلتك، واهتمام يختلف عن اهتمامك، وما يجمعك مع شريكك هو التفاهم وقليل من التنازلات وتفهم لطبيعة الآخر من منطلق أنت تسعد وهو يسعد.