آخر كلام

تحديث نظام العنونة.. فرض عين

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

"تجاوزي المَطَب الأول والثاني والثالث.. ستجدين درام (صندوق النفايات) على يمينك، وبعد الدرام مطب، ثم درام آخر، ثم منعطف إلى اليسار، ستجدين بيتًا رمادي اللون به خمس نخلات، بعدها أرضا فضاء بها مخلفات مواد بناء، منزلي يقع بعد ذلك المنزل بمنزلين مقابل محل البقالة، لا تخافي لا يوجد محل آخر في نفس الشارع "!!

حتى مع هذا الوصف الدقيق لمعالم المكان، فإنَّ احتمالية أن لا أصل أبدًا واردة، لتشابه المطبات والدرامات والنخيل! مع إنني أستعين بخاصية تحديد المواقع عبر نظام الخرائط الرقمية، لكن حتى النظام قد يخذلني ويأخذني إلى حيث لا أشاء، مكان لا يشبه ما أريد!

إنْ بدا وصف الموقع بالأمر الهين، لكن بلوغ الهدف ليس كذلك، كأنك تقوم بحل لغز أوتحلّ اختبارا لمهارات القيادة، أومشاهدة إحدى حلقات برنامج من تلفزيون الواقع، لكن الإثارة التي فيه، وإن كان الوصف أقرب ما يكون إلى سباق مع المكان، فالأمر يتطلب الكثير من دقة الملاحظة، والحضور الذهني التام، لاكتشاف المكان والاحتفال بصوت عال "أوريكا.. أوريكا" كما احتفل أرخميدس!

جرت العادة بين الناس في وصف خارطة المكان، إما بذكر المعالم الرئيسية والغريبة والقريبة أو الاستدلال بالمطبات والأشجار وصناديق النفايات!! لعدم وجود بدائل دقيقة لتحديد موقع المنزل أو مكان ترغب الذهاب إليه، حتى مع وجود نظام عنونة لترقيم المباني وتسمية الشوارع، إلا أن النظام يشوبه بعض التعقيد ويحتاج إلى الكثير من التطوير ليتلاءم مع احتياجات الواقع والمستقبل، فعدد الأحياء التي تحمل أسماءً ليست كثيرة، ونظام العنونة والترقيم يحمل أرقامًا كثيرة ومتشابهة يصعب حفظها، فالسكك والأزقة والمباني والمنازل، كلها تحمل أرقامًا يتجاوز بعضها ثلاث خانات، ومن جهة أخرى فإن اللافتات الإرشادية قليلة وأحيانًا يصعب إيجادها أو قد تكون هناك مسافة كبيرة بين لافتة إرشادية وأخرى.

بعض المحافظات في السلطنة كبيرة، وذات كثافة عمرانية وسكانية وتشهد نموّا سريعا، مثل محافظة مسقط، لكن قليلة هي الأحياء التي تحمل مسميات وحدودها معروفة، أين تبدأ وأين تنتهي.

سابقًا وقبل النمو السكاني والتطور العمراني، لم نواجه مشكلة بلوغ الهدف والوصول إلى الأماكن، فالأحياء كانت صغيرة وسكانها متجانسين ومتعارفين، كان يكفي أن تسأل أي شخص تقابله في الطريق أن يدلّك على المكان، وما كان سهلا في الأمس بات مستحيلا اليوم.

أصبحنا نفقد وجهتنا بسبب نظام العنونة الحالي؛ حيث يواجه الكثيرون معضلة كبيرة في تحديد موقع منازلهم أو وصف الأماكن، فتسميات الشوراع الرئيسة والفرعية، لا تغني عن ضرورة إيجاد مسميات للأحياء وعدم الاكتفاء بنظام الترقيم.

تسمية الأحياء باتت ضرورة لها أهمية اقتصادية. وقد اشتُهرت بعض الدول بأحيائها التي تحمل قصة المكان وتاريخها، يقصدها السياح من مختلف الدول بحثًا عنها، فمن الأحياء المشهورة عربياً حي خان الخليلي بالقاهرة، الذي أسّسه جركس الخليلي، ويقع فيه الكثير من المعالم الأثرية والمساجد والأسواق التقليدية، وغالبًا كل من يزور العاصمة المصرية يذهب لزيارة هذا الحي ويستمتع بأجوائه.

وفي إسطنبول بتركيا، فإنَّ الكثير من أحيائها المشهورة القديمة والحديثة، تم توظيفها لتصبح نقاط جذبٍ سياحي، وتم تطوير الأحياء القديمة؛ بما لا يغير من أصالتها وأخرى حديثة، من أبرزها حي السلطان، الذي توجد فيه معالم سياحية مهمة كمسجد آيا صوفيا وقصر توبكاي والمسجد الأزرق والعديد من المطاعم والفنادق والنزل المنتشرة في أزقة ضيقة بين المعالم السياحية.

وفي مسقط، أصبحت بعض الأحياء مقصدًا سياحيًا مُهمًّا مثل مطرح القديمة، وسوقها التقليدي الذي لا يزال يعد من أهم الأسواق التي يقصدها السكان والسيّاح، لتنوعها الفريد وجمال أزقتها القديمة، والتي تنقلك لأجواء الماضي وعبق التاريخ، وسميت مطرح لوجود مرسى سفن وميناء تطرح فيها السفن البضائع والسلع .

وفي حي مطرح القديم، الكثير من المساكن والأزقة، التي يمكن أن تستثمر وتحول إلى حي سياحي جميل، من خلال تحويل بعض المساكن القديمة إلى نزل تقليدية ومطاعم ومتاحف وممشى. فلماذا لا تحمل الأحياء السكنية، أسماء شخصيات تاريخية أو وطنية أو علماء ومفكرين أو تسمى حسب نوع النشاط التي يمارس فيها؛ فالمناطق التجارية والصناعية تضاف إلى نظام العنونة، بحيث يكون لكل مكان قصة وميزة يستدل بها على المكان.

يرى البعض أنه مع وجود التكنولوجيا الأمر اختلف، والوصول إلى الهدف أصبح بسهولة ويسر، إلا أن الواقع يقول ليس كل شخص يمتلك خدمة الإنترنت وإن كانت لديه واحدة قد يواجه ضعف الشبكات أو صعوبة في استخدام الخرائط. وفي بعض الأحيان قد يضيع مع نظام جي بي أس، الذي قد يرسلك إلى موقع مختلف أو طريق مسدود ! فالتكنولوجيا ليست معصومة من الخطأ! ليس سهلًا أن يتذكر الشخص الأرقام وإن تذكرها فإنه سيصعب عليه البحث عن الأرقام أثناء القيادة، ناهيك عن كثرة الأرقام وانتشارها على المباني والطرقات والبيوت.

من الضروري تحديث نظام العنونة المكاني والجغرافي لتسهيل حركة السكان والسياح من جهة وسرعة وصول الخدمات إلى الأحياء خصوصا لخدمات الإطفاء والإسعاف، كما إن نظام العنونة يُسهّل على الجهات المختلفة إجراء الدراسات والمسوحات والتي تعود بالفائدة على الوطن والمجتمع.