الطليعة الشحرية

أكبر عملية نصب في التاريخ الحديث تتمثل في محاولة صك عملة معدنية بلاتينية بقيمة تريليون دولار لسد مديونية أقوى دولة في العالم الحديث، وتحقق بذلك مقوله "الضعيف يدفع مديونته كاملة والقوي يفعل ما يشاء".

هناك احتمالية غريبة تقول إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها صك عملة معدنية (تشبه الخمسين بيسة) بقيمة تريليون دولار، ويمكن بموجبها سدّ ديونها للصين واليابان والسعودية! لكن ما مصدر هذا المبلغ؟ حرفيًا إنه العدم (الهواء)!

(1)

ماذا قبل العدم؟

مع بداية شهر فبراير احتدم الصراع بين الرئيس الأمريكي جو بايدين ورئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي، وذلك في محاولة لإقناع الحزب الجمهوري لرفع "Debt Ceiling" سقف الديون "وهو الحد الأقصى للديون" المسموح للولايات المتحدة باقتراضها، وبموجب هذا القانون فإن سقف الديون لا يجب أن يتعدى 31.361 تريليون دولار.

وهكذا نشأ الخلاف بين الحزبين الحاكم والجمهوري مع وصول أمريكيا لسقف الديون المسموح به، فما الحل إذن؟ الولايات المتحدة لا يمكن لها الاستمرار دون اقتراض، وبحصول العجز في الميزانية الفيدرالية لأن الإيرادات أقل من المصروفات.

(3)

شد الحبل

لعبة "شدّ وأنا أشدّ" المستعرة بين الحزبين ما هي إلا لعبة من يتنازل أولًا يتنازل أخيرًا، وإذا خرجت لعبة شد الحبل عن نطاق السيطرة قد تؤدي إلى أزمة في الاقتصاد الأمريكي أشدّ من أزمة 2008.

في 13 يناير 2023، أبلغت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي بأن الدين العام "وصل الحد القانوني وفي حال لم يرفع سقف الدين قد يتسبب ذلك بضرر لا يمكن إصلاحه على الاقتصاد الأمريكي ومورد عيش جميع الأمريكيين وعلى الاستقرار المالي العالمي".

ولكن ماذا لو استمر العناد ورفض رفع سقف الدين العام؟

(4)

Trillion-Dollar Coin

ما عملة التريليون دولار؟ تنصبُ هذه الفكرة في صك عملة معدنية يكتب عليها تريليون دولار من مادة البلاتينيوم تقوم دار صك العملة الأمريكية بإصدارها، تأخذها الحكومة فيما بعد وتودعها في البنك وتقوم بالصرف منها إلى أن يتم رفع سقف الديون.

هل هي فكرة غبية أم من فكر بها غبي؟

في حقيقة الأمر قد يبدو أنها فكرةٌ غبية، ولكنها حقيقة، بل هي بالأصل مشابهة لفكرة إنشاء الأموال في الأساس، من صاحب الفكرة هل هم مستشارو الرئيس الأمريكي أم هم جهابذة الفكر المالي والاقتصادي؟

(5)

Mosler Economics

مدونة "موزلار الاقتصادية" هي مدونة رقمية على الشبكة العنكبوتية، تُعنى بالاقتصاد الأمريكي وأغلب المنتسبين إليها من المهتمين بهذا المجال، في مايو 2010 وأثناء نقاش عن أزمة سقف الديون التي تواجه الرئيس الأمريكي بارك أوباما، طرح خلال هذا النقاش مستخدم اسمه Beowulf"" حلا للأزمة "فوض الكونغرس وزارة الخزانة الأمريكية جميع سلطات الإصدار لسك عملة بقيمة تريليون دولار (حتى العملات المعدنية لها قوة إبراء قانوني بقيمتها الاسمية ويجب على الاحتياطي الفدرالي قبولها) الحيلة أن يتم إصدار هذه العملة من معدن البلاتين وليس الذهب أو الفضة أو أي معدن آخر مستغلين بذلك ثغرة في القانون الأمريكي.

(6)

قوتك تسك عملتك

في عام 1996 تم تعديل قانون سك العملات المعدنية الأمريكي شمل التعديل بندًا مهمًا وهو (يجوز لوزير الخزانة سك وإصدار عملات معدنية من سبائك البلاتين وعملات بلاتينية مثبتة وفقًا للمواصفات والتصاميم والأصناف والكميات والفئات والنقوش التي يحددها الوزير وفقاً لتقديره من وقت لآخر) فتح هذا التعديل سقف "Seigniorage Power" سلطة إصدار العملة وهي الفرق بين القيمة الاسمية للعملة وتكلف إصدارها. بمعنى آخر يمكن لدار السك إصدار عملات بلاتينية وبيعها بقيمتها الاسمية أي تسك عملة تكلفتها 10 دولارات وتكتب عليها 100 دولار وتباع بقيمتها الاسمية 100 دولار.

لكن كيف ستدفع أمريكا دينها الخارجي بعملة معدنية بلاتينية تكلفة سكها دولارات بخسة وقيمتها الاسمية تريليون؟

(7)

الحيلة لمن يحتال

 الحيلة بسيطة يأمر الرئيس الأمريكي وزارة الخزانة بسك عملة معدنية بقيمة تريليون دولار، ويتم تحويل الأمر إلى دار سك العملات، وبعد سك العملة المعدنية البلاتينية وتحويلها لوزارة الخزانة التي بدورها ستودعها في  حساب "Treasury General Account" حساب الخزينة العامة،  في  بنك الاحتياطي الفيدرالي، وعليه سيعامل البنك الفيدرالي العملة البلاتينية بقيمتها الاسمية، ويتم إيداع تريليون دولار في حساب وزارة الخزانة وذلك بكتابة رقم تريليون في حسابها، وهكذا تتنفس وزارة الخزانة ويتم تسديد الديون ودفع الرواتب الأمر الذي يفسح المجال للحكومة  للتفاوض مع الجمهوريين لرفع سقف الدين.

(8)

أخلق تريليون دولار من الهواء في كل الأحوال كلها عمليات نصب احترافي في حالة رفع سقف الدين سيتم خلق تريليون وهمي ببيع سندات بقيمتها الاسمية وفي حال لم يرفع سقف الدين يمكن للوزارة خلق عملة بلاتينية معدنية بقيمة اسمية تساوي تريليون ويتم سد الدين بها..

إذن هل يُمكن وضع عشرين صفرًا على ورقة الخمسين دولار ونسدد الدين العام؟