باحث عن عمل

 

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

يمكن تعريف الباحث عن عمل، كإنسان يبحث عن فرصة لحياة كريمة، تبعده عن العوز والفقر، إنسان نشأ على مفهوم أن الشهادة والتعليم ستؤمن له فرصة عمل، وكلما كانت شهادته أعلى كان الراتب أكبر، إنسان قضى أكثر من أربعة عشر عامًا، في انتظار أن يتحقق الحلم، ويكوّن أسرة ويمتلك منزلا ويخفف الحمل عن والديه، لكنه يتفاجأ بأنَّ هناك طابورًا طويلًا من الباحثين عن عمل ينتظرون الدور على أمل أن تأتي الوظيفة، فيتوظّفون ويستلمون رواتب مُغرية.

يتبدد الحلم في لحظة التخرج، أو أحيانًا قبل ذلك عندما يرون أقرانهم وإخوتهم عاطلين عن العمل، تائهين أمام المصير المبهم. البعض قرر الانسحاب من التعليم والبحث عن أية وظيفة، طالما لن يتوظف بالشهادة. والبعض قرر أن يحترف عملًا يدويًا، أو يقوم بأي شيء يؤمن له لقمة العيش.

وصف بسيط للواقع الحالي لأزمة الباحثين عن عمل، وإن كانت المشكلة عالمية وعربية إلا أنه لا مشكلة بلا حل والحلول وإن كانت حاضرة أحيانا لا تكون بمعالجة نتائج المشكلة، بل ببحث جذورها وأسبابها حتى تكون الحلول ناجحة، ولا تتكرر المشكلة وتتحول إلى أزمة.

أسباب كثيرة قد تكون وراء حدوث أزمة وظائف إلى جانب الأزمة الاقتصادية، من أهمها أن يكون المعروض أكبر من المطلوب، فعلى سبيل المثال، أن يكون السوق يحتاج إلى وظائف معينة فنية أو مهنية، وأن هناك تشبعا في التخصصات الإدارية، إلا أن خطط البعثات الداخلية والخارجية والتخصصات المتوفرة بالمؤسسات التعليمية، تختلف تمامًا عن حاجة السوق، بالتالي يتخرج الطلاب فلا يجدون متسعًا لهم في المؤسسات وتضطر المؤسسات إلى الاستعانة بالعمالة الوافدة لشغل الوظائف.

هنا نحتاج إلى مواءمة بين احتياجات السوق المحلي، وبين خطط التعليم على أن يتم وضع الخطط وفقاً للواقع الفعلي للسوق، وتبني التخصصات التي يطلبها السوق. أما إن كانت خطط التنمية البشرية في الدولة، تهدف إلى إعداد موارد بشرية متخصصة في كل المجالات، بغض النظر عن توفر الوظائف بالسوق المحلي، في هذه الحالة يجب أن تكون هناك استراتيجية تتبناها الدولة للبحث عن فرص وظيفية لمواطنيها خارج البلد كما فعلت الهند والصين ودول شرق آسيا ومؤخرًا قطر قبل كأس العالم.

نقص الخبرة من أهم الأسباب التي مازالت تكرر مع كل خريج، يبحث عن فرصة عمل، فبرامج التعليم الجامعي لا تولي اهتمامًا كافيًا بالتدريب العملي، وإن كانت موجودة ضمن المساق التعليمي إلا أنها لا تختلف عن التدريب النظري؛ لأن الطالب يذهب إلى المؤسسات في سنته النهائية يتدرب، ترى ما هي الخبرة التي يمكن أن تكتسب في أيام معدودة من كل شهر؟ حتى إن البعض من الطلاب لا يرى في التدريب أهمية قصوى، غير استمارة أنه تدرب بالمؤسسة الفلانية حتى يحصل على نقاط تضاف إلى معدله الدراسي.

إن عنصر الخبرة العملية ضروري جدًا، فالمعارف النظرية هي إطار عام للتعليم ولا جدوى منها إن لم يصحبها تدريب عملي،على كل جزئية من التخصص حتى يكتسب الخبرة والمهارة المطلوبة، تدريبٌ يتلقاه الطالب في المؤسسات التعليمية قبل التدريب الخارجي. والتعليم الذي يكسب الخبرة العملية يصنع خريجين على مستوى احتياجات مؤسسات متعددة الجنسيات.

لذلك تميل المؤسسات الخاصة، إلى توظيف خريجي البعثات الخارجية من الجامعات الغربية أكثر من مخرجات الجامعات المحلية لافتقار الأخيرة لعنصر الخبرة.

لعل مشكلة المسرّحين عن العمل، كشفت عن هشاشة القطاع الخاص وأن الكثير من شركات القطاع الخاص، ربطت توظيف المواطنين بمشروعات وعقود مع الحكومة، ولم تتوسع في تنمية شركاتها بمشروعات أخرى. فحدث التسريح وضاعت الأحلام وأصبح التسريح ملفاً آخر يضاف إلى ملف الباحثين عن عمل. ومع غياب الأمان الوظيفي في القطاع الخاص، أصبح الخريجون يميلون أكثر إلى مفاهيم الآباء والأجداد بأنَّ الوظيفية الحكومية أكثر أمانا وإن كانت غير مجزية ولا نلومهم على ذلك.

حتى فكرة العمل الخاص وإنشاء مشروع مستقل، الذي كان يطمح إليه بعض من رواد الأعمال كبديل عن الوظيفة، يواجه الكثير من التحديات؛ من أبرزها: التخطيط للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وما يصحبها من التوجيه لاختيار المشروع المناسب، والتسويق الدولي، والحد من تنافس القطاع العام في مجالات عمل القطاع الخاص، ضبابية سلسلة إجراءات إنشاء المشروع، وضعف القوى الشرائية بسبب تخمة السوق من بعض الأنشطة، كالمقاهي ومحلات التجميل والحلاقة على سبيل المثال لا الحصر.

لا يكفي أن نغير فكرة التوظيف من باحثين عن وظيفة، إلى باحثين عن فرصة عمل، بعقلية مفتوحة وأفق واسع، سواء أكانت وظيفة في القطاع الحكومي أو الخاص، داخل البلاد أو خارجها، فالفرص أصبحت متاحة مع العولمة بوظائف عن بعد، توفرها الشركات العالمية لمن لا يرغب في السفر، نحن نحتاج أن نؤمن الباحثين عن عمل بتأمين خاص يحميه من فقد وظيفته، فيصرف له راتب من التأمين حتى حصوله على فرصة أخرى.. إننا بحاجة إلى توسيع قنوات التوظيف، وإلى خطط تنمية اقتصادية واعدة، وتسهيل الاستثمار المحلي والأجنبي وحماية حقوق العاملين بتوفير فرص تدريبية وتعليمية، تجعلهم في موقع منافسة مع العمالة الوافدة، وتغيير ثقافة العمل السلبية السائدة، وغيرها من الحلول التي تعد حزمة متكاملة من الحلول الوقتية والمستقبلية.

من الضروري جدًا الاستماع إلى الحلول، التي تطرحها النخبة من الاقتصاديين ذوي الباع في هذا المجال، من أبناء الوطن، وتبني حلول جديدة وعملية خارج الصندوق، إن كنا قد استهلكنا كافة الحلول من داخل الصندوق.

التوظيف ملف شائك، لن ينتهي بتوفير فرص عمل مؤقتة أو دائمة للباحثين عن عمل، فكل يوم هناك مخرجات جديدة ومُسرَّحين، إضافة إلى باحثين جدد من فئة المتقاعدين الذين وجدوا أنفسهم خارج العمل قبل أن يسدّدوا قروضهم البنكية، وباحثون عن عمل من فئة رواد الأعمال الذي خسروا تجارتهم وأصبحوا ملاحقين قضائيًا نتيجة الأزمة الاقتصادية التي صاحبت جائحة كورونا.

قبل تسعة أعوام تحدثتُ في مقال، عن إمكانية تحول مسألة الباحثين عن عمل إلى أزمة؛ فالملف يتوسع وبحاجة إلى حلول تتناسب مع كل فئة من الفئات السابقة، حتى لا تتحول المشكلة إلى أزمة اجتماعية واقتصادية وأمنية معقدة تستنزف الموارد والعقول.