مايك بومبيو يكشف النقاب عن نظرة الولايات المتحدة للعالم

"صقر إدارة ترامب" يثير العواصف السياسية عبر مذكرات "القتال من أجل أمريكا"

 

◄ إدارة ترامب وضعت "تصورًا جديدًا" للشرق الأوسط لتنفيذ "صفقة القرن"

◄ الكتاب يكشف تفاصيل زيارة "مزعجة" للرئيس الروسي

◄ "اللعب مع رعاة البقر".. موقف "طفولي" من بوتين يثير غضب بومبيو

◄ بومبيو: الأعداء يتجرؤون على الهجوم إذا رأوا ضعفًا في البيت الأبيض

◄ ترامب يوبخ ماكرون: تبدو مثل فتاة صغيرة ضعيفة

◄ البحرين والإمارات تسعيان للتحول إلى مركزي استقطاب مالي وسياحي

◄ بومبيو يعرض رؤيته الشخصية لعدد من قادة الدول العربية

الرؤية- عبدالله الشافعي

عادةً ما يلجأ رؤساء الدول والحكومات بل والوزراء السابقون في الغرب، إلى كتابة مذكراتهم، فور خروجهم من السلطة، من أجل تحقيق مآرب عدة، مُعظمها يتمحور حول الرغبة في تمهيد الأرضية السياسية لخطوة مقبلة، ربما تتمثل في الترشح لمنصب سياسي، أو على أقل تقديرٍ التنصل من بعض الأحداث والمواقف التي وقعت خلال فترة مسؤوليته.

آخر هؤلاء هو مدير المخابرات المركزية الأمريكية ووزير الخارجية في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي كشف في مذكراته الكثير من التفاصيل حول العديد من الأحداث، في كتابه: "لا تعطِ أي شبر.. القتال من أجل أمريكا التي أحبها"، والذي أثار جدلًا كبيرًا في العديد من الدول التي تحدث عنها؛ حيث تضمنت المذكرات مجموعة من الموضوعات والقضايا الشائكة ذات الصلة بعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية بدول أخرى، مثل ما وصفه بـ"التآمر" على منصب نائب الرئيس الأمريكي والملف الأفغاني، إضافة إلى قضايا متعلقة بالصين وإيران والشرق الأوسط وفرنسا، وكواليس تفادي ما وصفها بـ"حرب نووية وشيكة" بين الهند وباكستان، إلى جانب هجومه على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وغير ذلك من القضايا والملفات التي- إن صحت- فهي تُفصح عن أسلوب الإدارة وطريقة تفكير المسؤولين وصناع ومتخذي القرار في أكبر دولة في العالم.

وتولى بومبيو منصب مدير وكالة المخابرات المركزي "سي آي إيه" وكان ينظر له على أنه من الموالين لترامب، قبل أن يتم إعلانه في عام 2018 وزيرا للخارجية في فترة حكم ترامب.

تآمر على منصب نائب الرئيس

تضمنت هذه المذكرات الحديث عن "مؤامرة" سفيرة الأمم المتحدة السابقة، نيكي هايلي، لتولي منصب نائب الرئيس الأمريكي بالاتفاق مع إيفانكا ابنة الرئيس السابق، دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر. وبحسب المذكرات فإن بومبيو أُخبر من قبل جون كيلي، كبير موظفي ترامب في ذلك الوقت، أن هالي قد حددت موعدًا لعقد اجتماع مع الرئيس لمناقشة ما زعمت أنه مسألة شخصية، ثم حضرت إلى اجتماع المكتب البيضاوي مع كوشنر وإيفانكا ترامب، الذين كانا حينها من كبار مستشاري البيت الأبيض.

"صفقة القرن" والنظرة للشرق الأوسط

الجانب الأهم في هذه المذكرات كانت تتعلق بإصرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على تنفيذ "صفقة القرن" وعدم ربط تطبيع الدول العربية مع الاحتلال الإسرائيلي بتحقيق السلام المسبق مع الجانب الفلسطيني، لتبدأ أولى نتائج هذه المساعي باتفاق التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة والاحتلال الإسرائيلي وكذلك اتفاق مماثل مع البحرين، ومقايضة السودان بالسير على نفس النهج مقابل رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وطلب المغرب اعترافا أمريكيا بالسيادة على الصحراء في جنوب المملكة مقابل الدخول ضمن قائمة دول التطبيع.

بومبيو ألمح في مذكراته إلى أنَّ نظرة الإدارة الأمريكية إلى الشرق الأوسط كانت بشكل مختلف؛ حيث إن صهر الرئيس ترامب ومستشاره جاريد كوشنير خط تصورًا جديدًا للمنطقة مبنيًا على إمكانية الاصطفاف في ظل وجود "قوى السلام والاستقرار مثل إسرائيل وبعض الدول العربية" على الرغم من وجود "قوى التطرف والدمار مثل النظام الإيراني ووكلائه من الحركات الإسلامية مثل حماس وحزب الله"، على حد تعبيره.

ووصف وزير الخارجية الأمريكي السابق، الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، بأنه "يُعارض بشدة التيار الإسلامي" كما إنه "زعيم صاحب رؤية ويدرك أهمية الإمارات كمركز اقتصادي"، موضحًا أن البحرين والإمارات تسعيان "للتحول إلى مركزيْ استقطاب مالي وسياحي".

"الذئب الروسي"

طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من وزير خارجيته السفر إلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى الرغم من عدم اقتناع بومبيو بهذه الزيارة- حسب وصفه- إلا أنه نفذ رغبة ترامب، وذلك بدعوى تحسين العلاقات الأمريكية الروسية "السيئة".

انزعج بومبيو منذ وصوله، فقد انتظر بوتين لمدة 20 دقيقة، معتبرًا أن هذا "وقت طويل جدًا في عالم الدبلوماسية"، لكنه اعتبر أن هذه هي طريقة الرئيس الروسي، ولكن بعد مرور نصف ساعة زاد انزعاجه فتواصل مع الناطقة باسم الخارجية الأمريكية آنذاك مورجان أورتاجوس وأمرها: "قولي لهم أني سأعود إلى الطائرة للعودة إلى بلدي"، لتتواصل بدورها مع نظيرها الروسي قائلة: "الوزير لا يخادع، سيكون الأمر سيئًا لنا جميعًا، هذا الرجل سيُغادر".

وكتب وزير الخارجية السابق في مذكراته أنه ليس متأكدًا إن كانت هذه المكالمة لها تأثير على وصول الرئيس الروسي بعد دقائق من المكالمة أم لا، موضحًا: "بدرجة ما، كان تصرفه رخيصًا؛ بل حتى طفوليًا، وبدرجة أخرى- وهي ما يفهمه بوتين بالتأكيد- الهيمنة الشخصية يمكن أن تقود إلى نتائج مُهمة". كما وصف أن هذه طريقة بوتين التي يستخدمها أحيانًا مع الزعماء والوزراء لتوجيه رسالة "هذه لعبتي لرعاة البقر"، لكن بومبيو أراد أن يعرف بوتين أن "الاجتماعات مع الولايات المتحدة هي لعبة أمريكا لرعاة البقر".

الضعف يجرؤهم على الهجوم

اتسمت السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية وقت حكم دونالد ترامب بتنفيذ مبدأ "السلام من خلال القوة"، وذلك لأنه "عندما يرى الأعداء ضعفا يتجرؤون على الهجوم" كما جاء في مذكرات بومبيو، الذي أرجع سبب التحرك الروسي ضد أوكرانيا إلى ما وجدوه من "ضعف في إدارة بايدن".

وقال: " قابليته- بوتين- لافتراس بلد مجاور كانت موجودة دائمًا، أقنعته رئاسة بايدن أن الوقت حان للأكل"، معتبرا أن: "الردع يستوجب إقناع خصومك بعدم سلوك طرق معينة لأنهم سيعانون عواقب لا تحتمل كرد على أفعالهم، كما أن رسم خطوط ردع واضحة والدفاع عنها بلا هوادة يوقف الفاعلين السيئين.. الضعف يستفزهم".

العلاقات الأمريكية الأفغانية

كما كشفت هذه المذكرات جانبا مهما من العلاقات بين أمريكا والحكومة الأفغانية السابقة، حيث وصف بومبيو الرئيس السابق محمد أشرف غني بأنه "أسوأ زعيم قابله على الإطلاق ولم يكن على استعداد للتضحية بنفسه من أجل بلاده، لقد أودى بحياة الجنود الأمريكيين للحصول على السلطة ولم يمتلك أي شعبية في أفغانستان"، كما اتهمه بسرقة أصوات الناخبين من منافسه وعرقلة جهود مباحثات السلام.

ولقد طالت اتهامات وزير الخارجية الأمريكي السابق العديد من المسؤولين السابقين،، حيث قال عن رئيس لجنة المصالحات السابق عبدالله عبدالله: "كان رئيسا لمجموعة مافيا، لقد سرق الأموال التي تربعت بها الولايات المتحدة".

ترامب وماكرون.. احكم بلدك

في عام 2019 حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إقناع ترامب بلقاء الرئيس الإيراني وقتها حسن روحاني، بحسب ما كتب مايك بومبيو في كتابه، واصفا طريقة ماكرون بأنَّه "كان يظن أنه يمكنه الهمس في أذن ترامب، فأوقع نفسه تحت سياط ردود فعل نارية للرئيس الأمريكي". وكشف بومبيو جزءا من تفاصيل مكالمة دارت بين ماكرون وترامب حول ترتيب لقاء مع الرئيس الإيراني، حيث انفجر ترامب غاضبا من ماكرون وقال له: "توقف، توقف عن الاتصال بي، توقف عن الاتصال بهم-(الإيرانيين- واستجدائهم، تبدو مثل فتاة صغيرة ضعيفة! احكم بلدك أو سيقوم بذلك أصحاب السترات الصفراء".

محمد بن سلمان والإصلاح الثقافي

جاءت نظرة وزير الخارجية الأمريكي السابق للجهود التي يبذلها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنها "إصلاحات ثقافية" ووصفها بأنها "الأكبر في تاريخ المملكة". كما وصف بن سلمان بأنه "شخصية تاريخية على المسرح العالمي، ويقود أكبر إصلاح ثقافي في تاريخ المملكة". وجاء الحديث عن المملكة العربية السعودية في هذه المذكرات دفاعا عنها في العديد من المواقف، حيث وصف بومبيو العلاقات الدبلوماسية الأمريكية السعودية بالجيدة وأنها جسدت "اللامبالاه" بما تنشره أو تذيعه وسائل الإعلام.

مقتل سليماني

لم تخل المذكرات من الحديث عن إيران والغارة التي استهدفت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، حيث قال إنه عندما كان رئيسا للاستخبارات أرسل خطابا "شديد اللهجة" لسليماني وحذره من استهداف الأميركيين، وعندما أصبح وزيرا للخارجية أوصى باستهداف سليماني، موضحا: "قلت لترامب سليماني يسافر من بيروت إلى دمشق وبغداد، يسافر في رحلات تجارية، ونحن نعرف مسار رحلته، إنه يخطط لقتل  مزيد من الأمريكيين، ولدينا الأدوات اللازمة لمنعه من قيادة هذه الجهود المميتة، لقد أسقطوا طائرتين من دون طيار أمريكيتين، وأطلقوا صواريخ باليستية على السعودية، وقتلوا أخيرا مواطنا أمريكيا، كل ذلك بأمر الجنرال سليماني، حان الوقت لإيقاف عهده المميت، هذا هدف عسكري مشروع ، حينها ترامب أدرك الخطر وأن الوقت قد حان لضغط الزناد".

وتابع: "خطة قتل سليماني كانت تتطلب السيطرة على المجال الجوي حول المطار لمدة خمس دقائق وتجنب سقوط مدنيين، المدنيون الوحيدون المحتمل تعرضهم للأذى هم أولئك الذين كانوا على متن طائرة سليماني التجارية، كنا ننتظر أن ينزل سليماني من الطائرة ويدخل سيارته، ويبتعد قدر الإمكان من تلك الطائرة قبل مغادرة المطار".

وعلى الرغم من الضوء الأخضر الذي أعطاه ترامب لتنفيذ الضربة، إلا أن بومبيو همس إلى الرئيس الأمريكي قائلا: "تذكير آخر، سنوجه صاروخا من مسافة ستة آلاف ميل ليضرب مطارا دوليا، لم نقم بهذا من قبل"، فنظر الرئيس إليه ترامب مباشرة وأومأ برأسه من دون أن يتفوه بكلمة.

هدوء حذر مع الصين

كتب مايك بومبيو أن تصريحاته كانت تغضب الصينيين، ولذلك طلب منه ترامب أن يخفف من حدة هذه التصريحات، لتجنب إغضاب الرئيس شي جين بينغ الذي تواصل مع ترامب هاتفيا وأبلغه انزعاجه من تصريحات بومبيو واعتبره تهديداً لاتفاق المرحلة الأولى من الاتفاقية التجارية بين الطرفين.

وأوضح: "بعد هذه المكالمة، تحدث معي ترامب وقال لي: مايك، هذا الرجل يكرهك! توقف عن مُهاجمة الصين لأن هذا يعرضنا جميعا للخطر"، معللاً أن هذا الطلب كان بسبب حاجة الولايات المتحدة إلى معدات صحية وقائية من الصين وقت جائحة كورونا.

وبحسب ما جاء في المذكرات، فقد احترم بومبيو رغبة ترامب وتوقف عن انتقاد الصين، وقال: "كنَّا بحاجة إلى معدات صحية وتحت رحمة الحزب الشيوعي الصيني للحصول عليها".

تعليق عبر الفيس بوك